تشير الإحصائيات التي أعلنها مكتب الأمم المتحدة في اليمن عن مقتل ما لا يقل عن مئتي مدني جراء النزاع الدائر في محافظة عمران خلال الأيام القليلة الماضية، بحسب ما أوردته قناة الحرة في 10 يوليو الجاري على لسان ممثل الشؤون الإنسانية في اليمن يوهانس فان دير كلاو الذي عبر عن قلقه إزاء التصعيد الذي يجري بين رجال القبائل من جهة، والمتمردين الحوثيين من جهة أخرى في محافظة عمران.
هذه الإحصائية المؤلمة للحرب في عمران ونتائجها التي طالت قتل وتشريد كثير من المدنيين الأبرياء، تضعنا أمام مشهد جديد تكمن خطورته في أنه أتى عقب انتهاء الحوار الوطني ويضع القوى السياسية المشاركة في الحوار أمام اختبار ومحك عملي للتعامل مع الواقع لتنفيذ مخرجات الحوار، ومؤشر سلبي عن نوايا بعض القوى للانقلاب على تلك المخرجات كمحاولة منها لوأد التسوية السياسية في اليمن.
جميع الأطراف المشاركة في الحرب ارتضت الحوار كوسيلة لحل القضايا والصراعات وأيدت مخرجاته، وأبرزها ما يتصل بالمتمردين الحوثيين «نزع السلاح عن ميلشياته، وبسط هيبة ونفوذ الدولة» إلا أن هذا التطور الحاصل لا يمكن تفسيره، غير أن الأطراف تسعى للالتفاف على التسوية السياسية في اليمن وإجهاضها.
ينظر العالم الخارجي باستغراب إلى ما يدور في اليمن، ويتساءل.. من الحوار إلى الحرب؟!، هذا التساؤل منطقي ويتقاطع مع ما ننظر إليه نحن اليمنيين دون التحيز لأي طرف أو التعصب المذهبي أو السياسي والجهوي أو الوقوع تحت التأثير النفسي للآثار والنتائج التي خلفتها الحرب بقتل المدنيين عبثاً، «نظرتنا تنطلق من مبدأ التعامل المنطقي مع الأحداث لتغليب المصلحة العامة عن الخاصة، ونرى أنه كما اتفق الجميع بحكمتهم على الدخول في الحوار ليحل جلوسهم تحت مظلة واحدة محل لغة السلاح، عليهم اليوم الاتفاق جميعاً على كيفية تنفيذ ما خرج به الحوار للدخول في مرحلة جديدة تطوي صفحات الماضي بكل آلامها»، لكن ما حصل وسيحصل يدل على أن القادم يتعارض مع مصالح بعض القوى المحلية والإقليمية«مذهبياً وسياسياً واجتماعياً»، وترى أن تنفيذ مخرجات الحوار سيضعها أمام واقع جديد سيصعب عليها التعامل معه، لتحاول الآن بتكرار تفجيرها الحرب في عمران فرض أجندتها ووجودها لرسم القادم ، مع التأكيد عن عدم عزل هذه الأحداث عما يدور في العراق وسوريا، وأن هناك قوى محلية وإقليمية تسعى لاستمرار التوتر وقتل الأبرياء للانقضاض على مخرجات الحوار.
إن نتائج الحرب في عمران وتجييش وتعبئة الأطراف لقتل الأبرياء وتشريد أكثر من (35) ألف شخص نزحوا من محافظة عمران، بحسب إحصائيات صادرة عن الوحدة التنفيذية لإدارة مخيمات النازحين التابعة للحكومة، وحالة التوتر والانتقام والكراهية المشحونة بها الأطراف المتصارعة، تضع المتابع يتساءل مع نفسه من المستفيد من قتل الأبرياء والحرب في عمران؟، وتبادل الاتهامات لنية المليشيات الحوثية المتمردة اقتحام صنعاء وعمران !؛ وبالطبع المستفيد الأول من كل ما يدور هي القوى الإقليمية التي دأبت منذُ فترة طويلة بإذكاء الحروب السابقة في صعدة وغرس بذرة الصراع المذهبي في اليمن.
فالآثار المتوقعة من نتائج الحرب وقتل المدنيين الأبرياء الذي تجاوز عددهم هذه المرة الـ (200) شخص، ستنعكس على تعميق جروح الصراعات بين الجماعات المذهبية، والتكفيرية واليمن في غنى عنها، كونها ليست الطريقة لحل الخلافات بعد أن أثبتت أطراف الصراعات في اليمن أن الحروب ليست حلاً للقضايا، وأن جمعيها تخرج من الحروب «لا منتصر ولا مهزوم» في اعتقادي انه مهما اندفعت الأطراف المتصارعة لفرض هيمنتها على الأرض بالقوة وارتكاب جرائم القتل والتشريد فإن هذا النهج لن يقدم أية حلول أفضل من الحلول المتفق عليها وتضمنتها مخرجات الحوار.
وهنا فإن الوضع وما يدور في محافظة عمران يستدعي التعامل العقلاني معه، والعمل على عدم السماح لخروج الأطراف عن السيطرة، واتخاذ خطوات جادة تؤدي إلى ضبط النفس وتلزم الجميع بتنفيذ مخرجات الحوار، ونزع السلاح من جميع المليشيات المسلحة، وفي مقدمتها جماعة الحوثي وفرض نفوذ وهيبة الدولة ليعم الاستقرار المنشود في اليمن.