بين هوس السلطة والتنكيل باليمن

2014/07/15 الساعة 04:34 مساءً

يتسائل الكثيرون وأنا منهم  كيف تطورت أمم في زمن قياسي خلال بضعة عقود وكيف تراجعت أخرى؟ انه بباسطة هوس السلطة وجدلية المشاركة والاقصاء في الفكر السياسي العربي وحلم الزعامة الزائف ، وكذا تداخل الديني بالسياسي ، فاليمن خلال نصف قرن مضى تتجاذبه قوى عسكرية وقبلية ، بينما هناك بلدان في منتصف القرن الماضي في حالات مشابهة لليمن مثل ماليزيا وعُمان  .والأردن    ، بل ان ماليزيا لم تنهض حقيقة وتتحول من مجتمع زراعي يعيش في المستنقعات الى قوة اقتصادية كبرى في شرق اسيا وعلى المستوى العالمي الا منذ نهاية السبعينينات وهي الفترة التي تقلد فيها الرئيس اليمني السابق على عبدالله صالح ، لقد اعتمد محاذير محمد على القوة البشرية واعتمد يقينا بأن  الأمة هي مصدر الهامة ونكران الذات وتنازل عن الحكم باختياره وهو في اوج عطائه ، لقد نجت ماليزيا في عهده من الأزمة الاقتصادية التي عصفت بأكثر من دولة في العالم وبشرق آسياء تحديدا ، ولم يهرول وراء أحلام الاعتماد على الآخرين وأوهام البنك الدولي بل وبكل ثقة تجاهل توجيهاته ونصائحه وأصاب في هذا إلى حد كبير ، ورغم ذلك لم يتحول عند خروجه من السلطة لم يخرج بمباردة دول الجوار الاسيوي ولم يهتم بفريقه وحزبه ولم وينشى قنوات تلفزونية كما هو حصل في اليمن السعيد ، التعيس بحكامه .. غدا الرئيس الماليزي السابق مجرد مواطن عادي بدون حراسة ولا هالة ولا تمجيد الذات وإدعاء الزعامة الزائفة .. لهذا فتغيير رأس الدولة في بلد كماليزيا وعلى هذا النحو لم تحدث قلاقل وبلبلة فاستمرت وتيرة النمو والتقدم ، فعند رحيل الحاكم في العالم الثالث ويضل متشبثا بالسلطة تكون الكارثة ، اما سلطنة عٌمان فهي مثل آخر حي وبجوارنا بل ان انتاجها للنفط كان اقل من اليمن ولا تعتمد على النفط كمصدر أساسي بل يأتي بعد الزراعة والصيد البحري والذي يمكن لليمن ان يتفوق في ذلك لاعتبارت ذاتية وموضوعية.

والراصد للحالة اليوم في اليمن يرى بأن كل من على المشهد السياسي قد تورطوا في صراع محموم على المكشوف ، وهم المتحالفين بالأمس المختلفين في اليوم ، والعكس صحيح المتحاربين بالأمس غدو حلفاء اليوم ويتساءل البعض ما هو سر تحالف الأضداد سابقا المتجانسين حاليا ؟ وما الحوثي إلا مجرد قناع يختفي وراءه صالح بكل أحقاده وماضيه ، وكل هذا الضجيج هو صوت حفلة تنكرية بطلها هذا البهلوان المقنع بقناع الزعيم ، كل المناكافات والمكايدات السياسية والتي تنعكس على تعثر سير حكومة التوافق وتعرقل الفترة الانتقالية ماهي الا انتقام شخصي من رئيس النظام السابق لخصومة مهما كان الثمن! .

الرئيس السابق ترك رئاسة الدولة ولم يترك السلطة ( power) ، سلم علم وخرقة فحسب ولكنه لم يترك السياسة وجعل من المؤتمر الشعبي مسمار جحاء وكأن هذا الحزب صانع المعجزات وجعل اليمن تنافس أرقى الأمم في الرخاء والتنمية والتمدن والنظام ورغد العيش والحال عكس ذلك لم يعمل من اجل تكوين دولة مدنية وألا لما وصلنا لهذا الحال فالأنظمة الكلية الشمولية المستبدة بشعوبها عن مغادرة السلطة تترك أرث صعب من المشاكل والتناقضات فانظروا حولنا أمثلة مشابهة العراق وليبيا ومصر . فمتى يتعظ اليمنيون من دروس غيرهم ..؟

استغربت لمن يقلق من تبعات البند السابع والذي لم يأتي سوى تحصيل حاصل ، فلن يكون هناك وصاية لان اليمن فعليا هو تحت الوصاية منذ عقود ولاسيما العقد الأخير بتبعات احداث 11 سبتمبر والهوس الأمني للغرب وأمريكا تحديدا ، فغدا اليمن مرتعا للإرهاب ولم ينظر لليمن سوى من زاوية محاربة الإرهاب فقد اوكل إلى اليمنيون مقارعة القاعدة نيابة عن الجيران والغرب عموما ، وكان ذلك محل استغلال للرئيس السابق بتعهده لمحاربة الإرهاب ، مع أن الإرهاب كما قال الدكتور المقالح هو الفقر والعوز ، لقد عمل الرئيس السابق على ديمومة حكمة بصنع التناقضات وسياسة فرق تسد فهو من شجع على قيام أحزاب دينية الإصلاح والحق وسواهما ، وهو من اتى بالحوثيين نكاية بما يسميه السلفيين وهكذا دواليك ولم تكن فقط مقولة( اخرة المحنش للحنش) بل اخرة الشعب هو تحمل تبعات مراهقة ومغامرات ساسته .

كان هم النظام هو إرضاء الخارج الإقليمي والدولي ومهادنة الداخل بإرضاء هذا وإسكات ذاك وإقصاء الآخرون ، ولم تبدأ مشاكل اهتزاز حكمه الا بعد ان دغدغة احلامة بفكرة التوريث ذلك انه اعتقد بأنه وريث الحميريين ، ومن هنا تفككت دائرة حكمة وما ثورة 2011 الا القشة التي قسمت ظهر البعير كما يقولون ، فركب الانتهازيون موجة الثورة وهو الأمر الذي أنتجت تسوية مسخ  تحمل الكثير من التناقضات على النحو الذي نعانيه اليوم.

العجيب بأن حالة اليوم من انقسام وحروب طائفية وتدهور في الخدمات يحكمها ليس فقط نصف الحكومة من النظام السابق بل اغلبها وما المعارضة السابقة المشاركة حاليا الا مجرد ديكور ، ومن هنا فالاغرب هو معارضة الحكومة التي لهم فيها سبعة عشر وزيرا ، واغلب المحافظين ووكلاء الوزارات ، والأمر في غاية السهولة فإسقاط هذه الحكومة المسخ لا يأتي بحشد الجماهير الذي تعودوا عليه فقط أمر من رئيس المؤتمر بأن ينسحب كل وزرائة وستقسط تلقائيا !!!

لقد فضحت حقيقة رجل في السلطة ورجل في المعارضة ثورة (التواير) التي عرت بقايا النظام السابق ، والحقيقة ان مصاعب اليمن اليوم ماهي الا تركة وأرث صعب لايمكن لحكومة الوفاق ولا غيرها طمس معالم فساد ثلث قرن مضى بالسهولة التي قد يتصورها البعض ، كما لايمكن لعبقري ان يلملم اليمن في هكذا حالة وقد عبث به العابثون طيلة هذه السنوات الثلاثون العجاف ، حتى لو اتى نبي على أهل اليمن سيفشل حتماً!.

بقى ان نقول بأن من مساوي استمرار الأنظمة الشمولية لفترة غير دستورية او التمديد بصيغة او بأخرى يدفع ثمن ذلك الشعب ذلك انه يصنع منه فرعونا  فالرئيس السابق ، يهوى المقابلات والحضور الإعلامي ، وزاد ذلك حتى بعد خلعة ومن هنا فهو يخشى وصول رئيس اخر يكشف حقيقة أمره ، وتاريخه الأسود فكل متاعب اليمن اليوم وتعثر العملية السياسية ليست لأنهم يرغبون بالعودة اوالتوريث فقضية اليمن غدة تحت المجهر الدولي ومن المحال ذلك ولكنهم يريدون رئيسا وفق رؤيتهم كي لا يكشف المغطاء ،والحفاظ على سمعة النظام وكأنه زعيم تاريخي والحال غير ذلك  إنها نرجسية مفضوحة وعنصر معرقل لمسيرة التحول الديمقراطي والفترة الانتقالية التي اتت على انقاض فساد ثلث قرن من العبث المطلق ، ممارسته السياسية في مثل هذه الظروف لها تبعات سياسية واقتصادية واجتماعية ، وكله من اجل خلق زعامة مصطنعة  ، بمعنى كل متاعب اليمن اليوم من تدني الخدمات والفوضى الخلاقة وتوسع الفساد والمكايدات السياسية والحروب الطائفية كلها مرجعها واحد هو في نهاية المطاف زعيم الفساد ، فهو من (يعجن اليمن عجين) ويتفاخر مريدوه بأنه رقم واحد وفعلا لازال رقم واحد في عرقلة حركة التغيير فالحرس القديم والدولة العميقة لازالت هي نفسها بعكس ماحدث في مصر قيادة عسكرية جأت بانتخابات بغض النظر كيف تمت تلك الانتخايات وجاء بعد ثورة بينما (الزعيم) قامت الثورة عليه ،ومن يدعون بالاخوان في مصر ضروف صعودهم الذاتية والموضوعية تختلف عن اليمن فهم قد وصلوا لقمة السلطة بينما في اليمن لازال الزعيم في قمة هرم الحزب الحاكم ومشارك في اكثر من نصف الحكومة التي مستمرا في خلق المتاعب لما سماه( الايدي الامينة )!

 الأمر مختلف تماما في الحالة اليمنية عن المصرية ، والفارق انه في الثلاثة والثلاثون العام المنصرمة كانت على نار هادئة باختلاق التناقضات وتهيئتها واليوم نجني ثمرة عبث نظام جثم على اليمنيون  لعقود ، التناقضات اليوم تأتي اكلها وأينعت وحان قطافها والفوضى الذي نعانيها فقط من اجل تمجيد الزعيم الملهم الذي عبث باليمن في السلطة وخارجها.

استغرب لمراهقي السياسة في يمن يحتضر ولا زالوا يأملون بأن عقارب الساعة تعود للورى ، واستغرب أكثر لهؤلاء وهم يتفاخرون بحزب اقترن اسمه بالمأسي والمحن على مدى أكثر من ثلاثة عقود وأيمانهم بأنه لامناص من رئيس عسكري او شيخ قبلي او شيخ دين وهذه الثلاثية يفترض بعد مؤتمر الحوار انها أصبحت شئ من الماضي.

الديمقراطية ليست مجرد صندوق واصطفاف الرعايا وليس المواطنين لان اليمن لديها مواطنين من فئة خمسة نجوم واخرين مهمشين وهم الغالبية ومن كل المحافظات ، الديمقراطية اكذوبه بالفعل غدت كذبة كبيرة والجمهورية أكذوبة اكبر ، لم يكن لليمنيين من منجز يذكر سوى الوحدة والتي وأدت هي الأخرى بيد صانعيها ، وحسب مخرجات الحوار والفدرالية لن تكون الامال والتمنيات بحجم التحديات بل كان الغوغاء يدوون الداء بالداء ومن يعارض فليشرب من ماء البحر ، الإشكال بأن الفدرالية  لم ترضي هؤلاء ولا اولئك اقصد الاحزاب النافذة التي استبدت باليمن شمالا وجنوبا ولا حتى الاحزاب الدينية من هذا الطرف وذاك

توسع الحوثي في اكثر من جبهة ليس في مصلحة الدولة اليمنية بطبيعة الحال ولكن ليس في مصلحة الحوثي نفسه ، استهلت أولى الحروب بعد الربيع العربي في نسخته اليمنية من دماج وكان المبرر طلاب اجانب وتم إخراج اعداد هائلة من موطنهم الأصلي السؤل هل في عمران وهمدان وبني مطر طلاب أجانب!!

وبداهة فأن القصة ابعد من ذلك بكثير ، انها باختصار لعبة الأمم بين لاعبين إقليميين في المنطقة ولن تقف هذه الحروب الا عندما يقتنع اللاعبان الإقليميان والقوى الدولية الأخرى بأن استمرار الحال في اليمن يهدد مصالحهم القومية العلياء. وحينها ستنتهي الحروب المفتعلة لوكلاء الخارج في اليمن من أصحاب الإسلام السياسي بشقيه عندما يدرك المتصارعون الكبار بأن مصالحهم غدت مهددة ايضا وعندما يدق الإرهاب ديارهم ولكن لن يفيق أصحاب المشاريع الصغيرة في اليمن الا على ركام وخراب قد يسمى لحقبة من الزمن باليمن الفدرالي!!