ما شهده البلد من احداث في الاشهر الماضية وضع الجميع فيه امام حقيقة تتمثل بان مخرجات مؤتمر الحوار الوطني هي طوق النجاة الاخير للبلد ولجميع مكوناته , وانطلاقا الاستعداد لتنفيذها يمكن تحديد من هي القوى الوطنية من القوى العصابية من جهة و من هي القوى التي ستستمر من تلك التي ستضمحل من جهة اخرى .
لا تتعلق المسألة بمثالية تلك المخرجات من عدم مثالتيها , وانما تتعلق بمدى الاستعداد للالتزام بما اتفق عليه من عدمه . فالقوى التي ستتمسك بتنفيذ المخرجات بجدية هي تلك القوى التي ليس لديها اجندة عصابية او تسلطية تجعل منها قوى مزعزعة للاستقرار في البلد , بينما التي لن تتمسك بجدية التنفيذ لتلك المخرجات هي القوى التي ستحاول ان تعيد انتاج وضعها العصابي او التسلطي من جديد او تلك التي ستسعى لوجود عصابي او تسلطي لها من القوى الصاعدة .
مرحلة تاريخية معينة و بيئة محلية خاصة هما التان سمحا لقوى اتسمت بالعصابية و بالتسلط بالوجود في البلد و التحكم في واقعه على مدى عقود مضت , ولم يكن لغيرها من القوى في البلد القدرة على ايقافها من اعتماد العصابية والتسلط للسيطرة على البلد وقراره ودولته وثرواته .
افرزت الادارة العصابية والتسلطية للبلد في العقود الماضية فشلا وسلبيات في مختلف المناحي وعلى مختلف المستويات في البلد , وهو ما فرض ان تتشكل بيئة جديدة كرد فعل على ممارسات تلك القوى العصابية والتسلطية واصبح البلد على عتبات مرحلة تاريخية جديدة يقف الجميع امامها اليوم .
مطلوب من الجميع اليوم ان يكيّف بناءه و اجندته ومواقفه ودوره بناء على المشهد الجديد في البلد اذا ما اراد ان يستمر وان يبدي روحا تشاركية عالية , فأول ما يتسم به المشهد الحالي في البلد هو الحالة الغير مسبوقة من توازن القوى بين مكوناته الفاعلة , وهي حالة توازن من لم يتفهمها ويتكيف وفقها سيكون هو الذي سيخسر وسيخرج بالتالي من المشهد في المرحلة التاريخية الجديدة القادمة .
ويخطى من يتصور ان استمراره في المرحلة القادمة متوقف على القوة التي يمتلكها او سيحاول امتلاكها , او على التحالفات التي قد يوجدها سواء داخليا او خارجيا , او على التكتيكات التي قد يتبعها في سبيل التحكم في توجيه المشهد , والجميع اليوم بالفعل لن يمكنه الاستمرار الا اعتمادا على تكيفه مع هذا الواقع الجديد والقبول بصيغ التشارك الحقيقية بين كل من يريد ان يستمر من المكونات في البلد دونما استثناء , وتبعا للحجم الفعلي لكل مكون وليس الحجم النفوذي او التسلطي له .
تمثل مخرجات الحوار الوطني – على علاتها - العنوان العريض للمرحلة الجديدة القادمة في البلد , وهي الصيغة التشاركية الملزمة لجميع من يريدون الاستمرار من القوى السياسية او القوى الاجتماعية , وامام هذه المخرجات يقف الجميع مطالب بعمل ما يلزمه تجاهها , باعتبار ان تقديم كل مكون ما يلزمه لتنفيذ مخرجات الحوار هو المعول عليه للنجاة بالبلد وللاستمرار في لمرحلة القادمة , بينما سيخسر اي مكون سيعول على اي امر اخر غير تنفيذ مخرجات الحوار الوطني .