اصبحت المصالحة الوطنية حديث الساعة , فقد دعا اليها او تحدث عنها مختلف المكونات الوطنية , كذلك بدأ الدور الخارجي يدفع بالحدث السياسي في اليمن باتجاهها , ومع ذلك لا المكونات الوطنية ولا اللاعب الخارجي قدم حتى الان مفهوم محدد وواضح المعالم لما يعنيه بالمصالحة الوطنية . بينما القراءة لمفهوم هذه المصالحة الوطنية من خلال الاحاديث والتوجهات للأطراف المعنية نجدها تتراوح بين مصالحة وطنية شاملة بين كل المكونات في البلد بلا استثناء وبين مصالحة وطنية بين القوتين التان اختلفتا وتصارعتا في العام 2011م فقط .
قبل اي من هذه الدعوات والاحاديث والدفع باتجاه المصالحة الوطنية كنت قد كتبت مقالا بعنون " حان وقت المصالحة يافخامة الرئيس " نشر في العام 2013م , دعوت فيه الى ضرورة ان يبدأ فخامة الرئيس في العمل على مصالحة وطنية تشمل كل الاطراف والقوى في البلد , باعتبار ان استحقاق المصالحة هو استحقاق فعلي لايمكن للبلد ان يسير الى الامام بدونه .
يضم البلد عدد من القوى منها قوتان – بدرجة اساسية - كانتا شريكتين في السلطة والنفوذ للفترة ما قبل 2011م , وهاتان القوتان مثل قبولهما بالمبادرة الخليجية تدشين لمشروع المصالحة بينهما , و منها قوتان – بدرجة اساسية ايضا – هما القوتان الصاعدتان التان تكونتا كرد فعل على تسلط القوتين السابقتين على البلد ونفوذهما في دولته , وهاتان القوتان مثل مشاركتهما في مؤتمر الحوار الوطني تدشين لمشروع المصالحة الوطنية بينهما وبين القوتين ما قبل 2011م وغيرها من القوى في البلد .
تمثل المصالحة الوطنية "استحقاق فعلي " , فلا يمكن للبلد ان يستمر بلدا للجميع فضلا عن ان يستقر او ان تقوم فيه دولة في ضل التباينات الحادة الحاصلة الان بين مكوناته , ومثّل القبول بالمبادرة الخليجية ثم بالحوار الوطني تدشين من جميع المكونات " لمشروع " المصالحة الوطنية , ولم يتبقى الا ان يبدأ تنفيذ " المشروع " ,وان يتم العمل على المصالحة الوطنية فعلا وليس فقط الدعوة و الحديث وابداء الموافقة الضمنية عليها و الدفع باتجاهها .
مايجب ان يستوعبه الجميع ان المصالحة الوطنية التي يحتاجها البلد والتي يمكن لها ان تتجسد فيه واقعا هي ذات مواصفات معينة وليست اي مصالحة وطنيةيصل البعض في اختصارها الى انها عبارة عن " مصافحة " , بمعنى انه لابد ان يجمع الجميع في البلد على مفهوم واحد وعملي وواقعي للمصالحة الوطنية وان يقبلوا بتنفيذه , وان يتخلى كل من لديه مشروع ضيق عن مفهومه للمصالحة الوطنية التي يريد من خلالها تكوين جبهات اوتحالفات جديده تذكي الصراع الحاصل في البلد وليس مصالحة وطنية تهيئ لنقل البلد الى حالة الاستقرار وبناء الدولة .
هناك العديد من المواصفات المطلوبة للمصالحة الوطنية التي يحتاجها البلد والتي ستنجح فيه , منها ان تكون هذه المصالحة بين جميع المكونات في البلد بلا استثناء , ومنها ان تمثل ارضية للانطلاق الى تجسيد التغيير المطلوب للبلد على الواقع وهي عملية عنوانها العريض التزام الجميع بتنفيذ مخرجات الحوار الوطني , وبالطبع ترجمة هذه المواصفات المطلوبة يتطلب الكثير من التفاصيل السابقة والمصاحبة واللاحقة .
لن يستقر البلد ويتجه نحو بناء الدولة مالم تنفذ مخرجات الحوار الوطني على الواقع , ولن تنفذ مخرجات الحوار الوطني مالم يسبقها مصالحة وطنية تهيئ المكونات للتعاطي الايجابي مع مخرجات الحوار , ومن هنا يجب ان يضع الجميع نصب عينيه ان المصالحة الوطنية كمناورة وتكتيك مرحلي لن تمر , و انها كتكوين تحالف لقوى ضد اخرى لن تمر , و انها كعملية سياسية تقضي على شروخ الماضي دون تبني التغيير المطلوب للبلد لن تمر , وانها كتلبية لرغبات اللاعب الخارجي لا اكثر لن تمر , وانها كأسترضائات لا تؤسس لشراكة حقيقية في كل المناحي لن تمر .
المصالحة الوطنية الوحيدة التي ستمر هي التي ستهيئ جميع المكونات في البلد للانتقال الى يمن الدولة , وليست لقاءات و مصافحات .