شكل قرار الحكومة الاخير بشأن رفع الدعم عن المشتقات النفطية حالة من الجدل واعتراضات جمة أثارها عدد من مستغلي الازمات ومفتعليها الذين تشتعل حسابات التحريض بالإغواء والإغراء لديهم مثيرين الحس العاطفي لدى ضعاف الأنفس وفاقدي الثقة بالله ثم بولي الأمر - الذي يسعى لتنفيد مخرجات مؤتمر الحوار الوطني بإصرار ومسئولية وطنية عالية - والذي أقرتها كل القوى السياسية والمجتمعية بتوافق غير مسبوق شهد له العالم بأسره - ليساقوا كقطيع أهوج يقاد إلى تفكيك المجتمع وزعزعة الأمن والاستقرار .
ولا شك أن قرار رفع الدعم عن المشتقات النفطية أمر ضروري جدا لإنعاش الاقتصاد اليمني وهو قرار تأخر اتخاذه كثيرا لعدة سنوات ، وكان لزاما على الحكومة أن تتحمل مسئوليتها كاملا وتبدأ بتهيئة الارضية اللازمة لتقبل المواطنين لهذا القرار ومكاشفة المواطنين بها ليكونوا أكثر ثقة وصبرا ، من خلال إصلاحات هيكلية قد حددتها مسبقا مخرجات مؤتمر الحوار وخاصة مخرجات فرق التنمية الشاملة ، والتي قد أعلن عنها الرئيس هادي مرارا وتكرارا في كل خطاباته فقد كاشف الرئيس هادي الشعب في خطابه بالعيد الوطني 24 للوحدة حين صارحهم بالقول:
(إن واجبي يحتم علي مصارحتكم بالصعوبات الكبيرة التي تواجهها البلاد على الصعيد الاقتصادي خلال السنوات الماضية فالموازنة العامة للدولة تواجه عجز في الموارد المالية والتي ازدادت حدة هذا العام وجزء من هذة الموارد يذهب في دعم المشتقات النفطية )
وكان يضع المعوقات والحلول لها بكل شفافية ومسئولية موجها بها الحكومة لتنفيد توجيهاته بالقول:
(فقد وجهنا باستمرار العمل على استكمال نظام البصمة والصورة في الأجهزة المدنية والعسكرية والأمنية بهدف إنهاء الازدواج الوظيفي وإلغاء الأسماء الوهمية ، كما وجهنا بزيادة الربط المقرر هذا العام على الإيرادات الجمركية والضريبية واتخاذ كافة الإجراءات التي تكفل تحقيقه على الوجه المنشود وتحسين مستوى كفاءة التحصيل والحد من التهرب الضريبي والجمركي ، كما أن الجهاز التنفيذي لاستيعاب أموال المانحين سيبدأ في العمل الجاد بقيادته الجديدة بعد أن استكمل بنيته الإدارية.
وسنتخذ من الإجراءات ما يحول دون حدوث أي تدهور اقتصادي وأي تراجع لسعر عملتنا الوطنية حتى وإن كانت بعضها تبدو قاسية أو صعبة ، ذلك أننا نعالج تراكمات سنوات طويلة من السياسات الاقتصادية الخاطئة ومن الفساد الذي استشرى في كل مرافق وأجهزة الدولة ، وكل ذلك يحتاج للكثير من الوقت والصبر والثقة المتبادلة بين القيادة والشعب).
وقد أكد تقرير حكومي حديث أن الهيكلة للاقتصاد الوطني لا تقتصر فقط على إلغاء الدعم على بعض المشتقات النفطية ولكن هناك برنامج قد اطلق وشمل كل ما جاء به خطاب الرئيس هادي مضافا اليه قرارته الأخيرة بإجراءات تقشفية تشمل موظفي السلطة العليا مثل منع شراء السيارات وتخفيض مدة ودرجة السفر ووقف التوظيف وغيرها، وإلزام وزارتي المالية والخدمة المدنية استكمال الإجراءات اللازمة لتنفيذ العلاوات لعامي 2012، 2013م، وكذا التسويات والترقيات القانونية المرصودة في موازنة عام 2014م لجميع موظفي وحدات الخدمة العامة (مدنيين وعسكريين) اعتباراً من أغسطس 2014م ،واعتماد تكلفة ( 250 ) ألف حالة ضمان اجتماعي جديدة واتخاذ الإجراءات اللازمة للبدء بإجراء المسح الميداني لعدد (250) ألف حالة جديدة أخرى ، وبحيث يتم التحقق من صحة استحقاق تلك الحالات وتوزيعها توزيعاً عادلاً بين محافظات الجمهورية مع تفعيل عملية البحث والتتبع للحالات القائمة وتنزيل الحالات غير المستحقة.
جاء القرار الان لأنه لا يحتمل التأجيل .. وصار لزاما علينا جميعا أن نواجه حقيقة أن الاقتصاد في أزمة وأن هناك إصلاحات هيكلية يجب أن تطبق وفقا لمخرجات مؤتمر الحوار الوطني بشكل تدريجي ، وأن الوضع لا يحتمل قبولنا أي توظيف سياسي ضيق لوسائل الإعلام المختلفة التي تنتج خطاب تيئيسي مقزز لنشر الأكاذيب والمغالطات وخلق موقف شعبي معارض للإصلاحات حيث يصبح الليث فأر ، والذئب حملا وديعا ( وسائل إعلام الإصلاح والمؤتمر نموذجا ).
قضاينا الوطنية كبيرة التنمية الشاملة ، والاكتفاء الذاتي والعدالة الاجتماعية والاستثمار ...الخ ، فلا نجعل من مروجي القضايا الهامشية يستثمرون عامل الوقت في تصفية حسابات سياسية ضيقة استثمارا رخيصا ، يجعلهم يستنسخون أنفسهم من جديد ويلهونا نحن عن بناء اليمن الجديد
برنامج الرئيس هادي مقبول ونثق فيه لأنه يقوم على تبني مبدأ التدرج في تنفيد مخرجات الحوار الوطني والإصلاحات الهيكلية دون السقوط في التأخير والبطء ، ويطرح على الحكومة مزيدا من العمل الدؤوب وإنتاج مقاربة اجتماعية تؤكد على مسئولية المواطن في صناعة الإصلاح وتوجيهه نحو غد أفضل للأجيال القادمة والوفاء بالالتزامات وتبني مبدأ الوضوح والمكاشفة في علاقتها مع المواطن.
. نعم هناك فرصة سانحة لتجاوز الأزمة وتخفيض عجز الموازنة في ظل مناخ سياسي مواتي وقبول مجتمعي يتصدى لمحاولات الهيمنة والتحكم ،ولكن هذا التخفيض سيكون غضب وبلا معني إن لم تشعر الطبقات الأفقر بالعائد منه خلال الفترة القريبة في التعليم والصحة وكذلك في استقرار الأسعار ليصبح رفع الدعم عن المشتقات النفطية ضرورة وطنية ملحة .