ظلت أيدينا لأيام موضوعة على قلوبنا قلقاً بمجرد الإعلان الخجول من شركة النفط عن رفع أسعار مشتقات النفط الملتصقة بحياة الناس اليومية, خيّم القلق من ردة الفعل الغاضبة التي ستعقب ذلك، ما قد يجر بلادنا إلى الأسوأ, كان قراراً مؤلماً ومفجعاً للجميع, لكن الألم الأكبر أن تطفو على السطح جماعات تحاول استغلاله لتعميق الجرح رغم سوء فعلها المستمر.
لكن عوامل عدة جعلت الأمر يمر بسلام منها إجازة العيد وتوافق غالبية القوى السياسية وسوء التصرفات التي انطلقت في العاصمة صنعاء خاصة، ومحاولة جماعات تتاجر بدماء اليمنيين وتنهب أسلحة جيشهم الاصطياد في مياه مايعرف بـ«الجرعة» لتحقيق مصالح خاصة أهمها مشاركتها في محاصصة الحكومة تحت لافتة طائفية وعنصرية نتنة.
مررت بغالبية شوارع العاصمة ومحيطها باتجاه همدان وبني حشيش, أثناء وبعد الاحتجاجات وكان القاسم المشترك فيها أن جزءاً منها عفوي وآخر مخطط له ومنظم بشكل واضح, كقطع الطرقات وإحراق إطارات السيارات لتدمير ماتبقى لنا من بيئة نظيفة, ووصل الحال ببعضها حد منعنا وأطفالنا من المرور بقوة العصي والحجارة التي كانت بحوزة المحتجين المزعومين.
تضررنا جميعاً من القرار, وشخصياً غضبت لأجله كواحد من اليمنيين ذوي الدخل المحدود وربما من يقعون ضمن نطاق الفقر المطلق, غير أولئك الذين يعانون الفقر المدقع وهم يقتربون من نصف سكان اليمن, لكن القرار كان مطروحاً منذ سنوات وحانت ساعة تنفيذه بعد ان وصلت أوضاع البلاد إلى مستوى يقترب من الانهيار الاقتصادي والذي سيترتب عليه انهيارات أخرى.
وقبل ذلك لابد من التأكيد على رفض حرمان المواطنين من ممارسة حقوقهم الإنسانية وخاصة الحق في التعبير عن الرأي أو الاحتجاج ضد قرار أو سياسة أو المطالبة بحقوق أخرى مشروعة, شرط أن تكون جميعها بصورة سلمية، ومن يمارس حقه عليه أن لا يضر بحقوق الآخرين, كقطع طريقهم أو تلويث الهواء الذي يستنشقونه, أو الخروج بمسيرات مسلحة.
أمام القيادة السياسية وحكومة الوفاق الوطني مهمة كبيرة تضاعفت بعد صدور قرار رفع أسعار المشتقات النفطية, وهي أن لا يكرروا ماكان يحدث من النظام السابق, وهو تنفيذ الشق المتعلق بتحميل المواطنين أعباء كرفع الدعم عن المواد الأساسية «القمح مثلاً, والجُرع المتعددة للمشتقات النفطية على مدى عقدين», فيما لا يتم تنفيذ الشق الآخر المتعلق بمؤسسات الدولة المختلفة ومسئوليها كالإصلاحات المالية والإدارية ومكافحة الفساد وترشيد الإنفاق.
صحيح أن الرئيس أصدر توجيهاته بذلك والحكومة اتخذت قرارات وشكلت لجاناً لتنفيذ تلك التوجيهات, وهو ماكان يخدعنا به النظام السابق مع كل قرار مماثل, لكن هذه الحكومة يجب أن تعمل على تنفيذ تلك الإجراءات بصورة جدية وحقيقية, أو أن البلاد ستتجه نحو الانهيار الذي «ابتلع» المواطنون قرار رفع الدعم عن المشتقات النفطية لأجل أن لا يحدث ذلك الانهيار.
الشعب اليمني شبع نصائح بالربط على البطون فيما العبث يتم بأمواله وثرواته ومؤسساته، ويراها كروشاً تنتفخ وقصوراً تشيّد وسيارات ومواكب تدوس على كرامته في الشوارع، وسفريات خارجية لا تتوقف رغم عدم أهميتها وتكاليف مرهقة وغير ضرورية ومنح وبعثات للأبناء والأقارب وأصحاب الوساطات وكذلك الوظائف توزع على الأقربين غير الوهميين والمزدوجين والاعتمادات الخاصة والمركزية.
إذا أرادت الحكومة أن يربط أبناء الشعب على بطونهم, فلتكن بطون المسئولين أول من تربط , وليقدموا نموذجاً حسناً وقدوة طيبة للناس, وينفذوا تلك الإجراءات المتعلقة بترشيد الإنفاق ومكافحة الفساد ومنع التهرب الضريبي والجمركي والتلاعب بالمناقصات وإنهاء الازدواج الوظيفي والوظائف الوهمية من القطاعين المدني والعسكري.
على الحكومة أن تدرك ومعها كل الأحزاب والقوى التي توافقت على قرار رفع الدعم عن المشتقات النفطية, أنه إذا كان القرار قد مر بسلام، فإن الركون عليه دون تنفيذ الشق المتعلق بمؤسسات الدولة سيبتلع ماتبقى من دولة ووطن، والشعب لن يسامح في هذه الحالة, فهو صبور إلى درجة أن صبره حينما ينفد يتحول إلى حالة غضب وثورة..