القرارات التي تتخذ في بلادنا، وخاصة التي تحمل للمواطن مصائب ومفاجآت تبدأ عادة بإشاعات وتوقعات، تتبعها تصريحات لمصادر حكومية مسؤولة بأن كل تلك الأخبار المتداولة ما هي إلا افتراءات مغالطة، ولا نية لزيادة الأسعار، فالدولة حريصة على مواطنيها وتراعي ظروفهم، وأحوالهم المعيشية.. بعدها بأيام قلائل يصبح الخيال حقيقة، وتصير الافتراءات جرعة، ويتبخر كل الكلام الذي تحدث عن مراعاة ظروف الناس وأحوالهم، فالحكومة للأسف مضطرة لاتخاذ مثل هذه القرارات المؤلمة، وليس لديها خيارات، لأن الجرعات هي الوسيلة الوحيدة المتاحة أمامها لحل مشكلاتنا، وكوارثنا الاقتصادية.. وهكذا يتكرر السيناريو المحفوظ في كل مرة، فمتى راعت هذه الدولة ظروف شعبها؟ ومتى كانت الحكومات المتعاقبة في بلادنا تعبر في يوم من الأيام عن تطلعات المواطن أو طموحاته؟!
الحكومة التي تجاهلت وما تزال تتجاهل مليارات الريالات المهدورة من الميزانية العامة للبلد، والمفقودة بسبب الفساد المالي والإداري المستشري في مفاصل الدولة، هذه الحكومة غير قادرة حتى الآن على اتخاذ إجراءات فعالة للحفاظ على هذه الأموال، واسترداد المفقود منها، فالجميع يدرك جيدا أن الخزينة العامة تفقد يوميا الملايين من قيمة براميل النفط المباعة بسبب عدم إدراج إيراداتها بشكل رسمي، بجانب الإيرادات الضائعة بسبب تهرب بعض التجار من دفع الضرائب المستحقة عليهم، علاوة على مخصصات رؤساء القبائل والمسؤولين والإعانات والمعاشات الوهمية، والازدواج الوظيفي، إلى جانب التجاوزات الكبيرة في نفقات ومصروفات مؤسسات وشركات القطاع العام وغياب الشفافية في تحديد أرباحها.
كل ما نعانيه اليوم من أزمات واختلالات اقتصادية ومعيشية واجتماعية سببها الأداء السيء للحكومات السابقة، التي عجزت طوال الفترات الماضية عن تحقيق أية اصلاحات مالية أو إدارية أو استثمارية حقيقية، بل وساهمت بسياساتها الفاشلة في افقار الشعب والدفع بشرائح كبيرة منه إلى خط الفقر، إضافة لدورها في زيادة معدلات الدين العام وعدم الاستفادة من الدعم الخارجي ولجوئها للقروض الأجنبية.
إن رفع الدعم عن المشتقات النفطية وما يستبعه من زيادة في الأسعار لن يفيد بتاتا في علاج مشكلاتنا الاقتصادية، بل سيكون له مردوداته السلبية على حياة الناس واحتياجاتهم، وذلك لعدم وجود رؤية واضحة وشفافة لتطوير الاقتصاد الوطني ومعالجة اختلالاته.. وعليه؛ فإن هذه الجرعة المتوقعة لن يكون منها الجدوى التي تدعيها الحكومة، وتصرح بها.
بشكل عام لن يستطيع اقتصادنا التعافي وتجاوز أزمته ما لم نعالج الأسباب الحقيقية التي أدت لضعفه وتدهوره، وعلى رأسها يأتي التلاعب بقوانين البلد وخاصة الاقتصادية منها، أو العجز عن تطبيقها على جميع المواطنين والفشل في القضاء على المحسوبية والوساطة والرشاوي والفساد بجميع أشكاله، وعدم الجدية في تطوير مؤسسات الدولة ومرافقها منه.
وكذا؛ فالاقتصاد المحلي لن يتعافى ما لم تسخر النفقات المرصودة في الميزانية العامة لبناء بنية أساسية قادرة على استقطاب وتشجيع الاستثمارات الوطنية أو الأجنبية.
علاج مشكلاتنا الاقتصادية يحتاج بدرجة رئيسية لتفعيل آلية تحصيل الموارد الوطنية العامة والضرائب، وما في حكمها وفقا للضوابط القانونية، وتوريدها بشكل كامل لميزانية البلد.
إجمالا يمكننا القول بأن فقدان المصداقية وعدم الجدية، وغياب الشفافية التي ميزت عمل أجهزة الدولة ومسؤوليها خلال العقود وضعف الأداء، وعدم امتلاك رؤية اقتصادية نهضوية قابلة للتحقيق والعجز عن تنفيذ الخطط والبرامج الاقتصادية والاستثمارية.. كل ذلك؛ لعب دورا أساسيا في تعطيل عجلة الاقتصاد الوطني وتأزمه.