لا يبدو أن المشهد اليمني في طريقه للظفر بانفراجات حاسمة تلطف الأجواء، وتنشر السكينة والهدوء، وتوحد الجهود وتوجه الطاقات نحو التنمية والبناء!.. فكل ما نشاهده، ونلمسه يعطي مؤشرات سلبية ومخيفة من احتمالية تعقد الأوضاع أكثر مما هي عليه، والسبب في ذلك - في تصوري - هو إدمان القوى السياسية - على اختلاف توجهاتها - الانغماس في لعبة إدارة المصالح الذاتية والأنانية بالصراع، التي اتسعت لتطغى على مصالح الشعب والوطن، المنهك بالحروب والصراعات العقيمة!!
إن المشاهد لصراعات القوى السياسية، من شمال الشمال إلى الجنوب، لا يملك إلا أن يقول الله يعين هذا البلد على قواه السياسية، وعلى ساسته الصراعيين الأنانيين، ويمني النفس بما قاله رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ذات يوم "عسى الله ان يخرج من أصلابهم من يقول لا إله إلا الله"، أي عسى الله ان يخرج من أصلاب الزعامات، والقيادات السياسية اليمنية، التي كفرت بالوطن، من يقول لا للمصالح الشخصية والذاتية.. لا للصراع العبثي.. نعم للمصلحة العليا للوطن.. نعم للبناء والتعايش، والقبول بالآخر.
آمل أن يعي الشباب حقيقة الصراع العبثي الدائر في البلاد؛ حتى لا يصبحون مجرد أدوات في هذا الصراع، يوظفون ضد بعضهم البعض، مخدوعين بشعارات وأهداف براقة، بينما هم لا يعون لماذا يصارعون، وعلى ماذا يتصارعون، ومن أجل ماذا يضحون؟!
لقد حول الصراعيون المشهد اليمني إلى حلبة نزال، أو مصارعة ثيران، كما حولوا وسائل الإعلام إلى مدافع وقنابل ورصاص، إلا من رحم ربي، لأنهم غير قادرين على العمل بعيدا عن الصراع، ففي الصراع - بالنسبة لهم - تزدهر التجارة، وتتفتح أبواب الرزق الداخلية والخارجية، وكله بثمنه!!
ستظل هذه القوى المصلحية النفعية تتصارع على المكاسب، والمصالح، تقسم المجتمع إلى (مع وضد)، وتفتح جبهاتها في كل مكان لإشغال الناس عن الاهتمام بالتغيير والبناء، وتوظيف المخدوعين منهم في هذا الصراع المصلحي، العدمي، الذي لا أفق له - البتة - وأحيانا تتفق ظاهريا، أو في الخفاء على اقتسام المصالح والغنائم، بينما يظل الشعب غارقا في جهله ومرضه، تقتله الجرع والأوجاع إلى ما شاء الله!!
المجتمع مطالب - اليوم - بأن يستيقظ من سباته العميق، وأن يعي مصالحه الحقيقية والواقعية، وأن يترك الأحلام السريالية أو الرومانسية السياسية التي أهلكتنا من قبل، وقادت الكثير إلى السجون والمعتقلات والمقابر الجماعية!.. علينا أن نفكر بما هو واقعي ومنطقي، وقابل للتحقق، والاشتغال عليه، وأن لا نتيح الفرصة للقوى النافذة لإشغالنا بما هو بعيد وصعب؛ حتى تتفرغ هي لمواصلة العبث بالوطن وثرواته ومصادره الاقتصادية المهمة، بينما يعيش الشعب على الهامش، وعلى الفتات، وهو صاحب المصلحة العليا، وصاحب الحق الأول والأخير!!
لقد غابت لعبة إدارة الوطن بالحكمة والعقلانية، وحضرت لعبة إدارة المصالح بالصراع والفوضى، وكل ما نشاهده، ونلمسه هو من نتاج هذه اللعبة القذرة، التي إذا لم تتوقف؛ فإنها ستقود البلاد والعباد إلى الفوضى والهلاك المحتوم!.. لابد من بروز قوى سياسية واجتماعية جديدة منظمة، وواعية لما يحدث، وغير منغمسة في صراعات الماضي ولعبة المصالح العفنة.. لعل وعسى أن تفتح أمامها الأبواب في يوم ما لتأمين، وإنقاذ الوطن من براثن السقوط والانهيار- لا سمح الله!!
بقلم/باسم الشعبي
رئيس مركز مسارات للإسترتجيا والإعلام