من ديناميت الشمال الى سكاكين الجنوب

2014/08/16 الساعة 12:49 صباحاً

حملت عملية ذبح الجنود في حوطة حضرموت مساء الجمعة (8 اغسطس) الكثير من الرسائل التي تقول بوضوح ماذا ينتظر البلاد في مستقبل ايامها ؟

 فالصراع المسلح الذي تشهده في شمالها والجنوب لم يعد صراعاً مسيطراً عليه ، تتبارى فيه جماعات العنف من اجل تحقيق مكاسب من نوع ما لتحسين شروط تفاوضها مع خصومها  ، او في لحظة اخرى خلق مساحات على الارض لتسويق ما تظنه النموذج الجاذب والبديل لشكل الادارة الذي لم يعد مقبولاً عند العامة !!

 انصار الشريعة ارادوا انتاج اماراتهم في اكثر من منطقة من مناطق ابين وشبوة وحضرموت  بين عامي 2010 و2014 برعاية غير خافية من متنفذي المركز ، بل ومارسوا ادارة بعض هذه المناطق بواسطة محاكم شرعية ومراكز امنية ، قبل ان تخوض تشكيلات عسكرية ولجان شعبية (من ابناء المناطق المنكوبة) معارك شرسة لإخراجهم من تلك المناطق

وبالمقابل بعد ان خضعت محافظة صعدة للحوثيين في العام 2011 (بعد حروب المظلومية الستة) بدأت نزعة التمدد تتملك الجماعة ، التي رأت في غياب الدولة واستعداد المجتمعات المحلية في معظم مناطق الشمال لاحتضان عناصرها المسلحة مدخلا مهماً لذلك ، لهذا بدأت عملية الاستيلاء على مناطق كثيرة ومهمة في محافظة عمران المجاورة وصنعاء والجوف وحجة ، لتصل الامور الى ذروتها مع اسقاط مدينة عمران واللواء 310 مدرع في يوليو 2014 ، وفي طريق زحفهم المقدس (طهروا) المناطق التي استولوا عليها من خصومهم السياسيين والقبليين وقبل هذا الدينيين (التي بدأت باكراً بتهجير البقية الباقية من يهودا ال  سالم في صعدة مطلع العام 2007 اذ نشرت وقتها رسالة التهديد التي قال اليهود انهم تلقوها من انصار الحوثي موقعة قائد أنصار الجماعة بمنطقة آل سالم بتاريخ 10/1/2007م ، والتي جاء فيها:

(أنه بعد المتابعة والمراقبة الدقيقة لهم (أي اليهود) ظهر جلياً في الأيام الأخيرة قيامهم بأعمال تخدم الصهيونية ، التي تسعى جاهدة لإفساد الناس وتجريدهم عن مبادئهم وقيمهم وأخلاقهم وبث الرذيلة , وديننا الإسلامي يأمرنا بمحاربة المفسدين ونفيهم )

وبين تهجير يهود ال سالم  واسقاط عمران استعرض الحوثيون قوتهم الصاعدة ، التي استطاعت احكام سيطرتها على منطقة دماج ـ التي ظلت مركزاً مهماً من مراكز استقطاب السلفية الدينية في قلب المربع الزيدي لأكثر من ثلاثة عقود برعاية سعودية خاصة ـ  قبل ان تُسقِط سلطة آل الاحمر  ونفوذهم في قلب منطقة حاشد التي امتدت لأكثر من خمسة عقود ، وتابعنا كيف اُستخدم الديناميت كمرموز تطهيري للمكان الذي كان يُنظر اليه كمكان للطغيان والجبروت (منازل الشيخ الاحمر في مناطق عدة في حاشد) ، تماماً كما نُظِر الى مراكز خصومهم التعليمية ومدارسهم بوصفها اماكن تفريخ التكفيريين (مركز كتاف ومركز صرم همدان وغيرهما).

في خطبته بركاب الحافلة التي كان يستقلها الجنود المغدور بهم   قال جلال بلعيدي ـ قائد المجموعة المسلحة التي ذبحت الجنود بتلك الطريقة البشعة ـ حسب رواية احد الركاب  ان هؤلاء الجنود روافض وحوثيين يسندون من نكل باهلنا في عمران ، وجاؤوا الى حضرموت يرددون الصرخة لمحاربة اهل السنة!!

البعد الطائفي المقيت في العملية بالتأكيد لن يقف في حدود هذه اللحظة البشعة ، بل مرشح للانفلات من عقاله ، والتمدد بشكل ستصعب السيطرة على جنونه في قادم السنوات ، ان لم تكن هناك مبادرات مجتمعية  فاعلة لإدانة جماعات العنف المسلح ،  والاصطفاف ضدها مهما كانت مبررات خطابها لأنها في الاصل ضد الحياة ومظاهرها المدنية التي تقوم على التعايش والتسامح.

المشترك بين جماعة العنف الديني (بتناقضاتها  الطائفية) انها تستند على تبريرات صنعها  فقهاء الطوائف الذين يرون في معارضيهم على الدوام خصوم توجب التخلص منهم ، ولأنها جاءت من معضلة ما قبل العقل والسوية  ستشترك هذه الجماعات في منع وتجريم مظاهر الحياة المدنية والفرح ، على نحو تجريم الغناء والطرب لأنها اعمال شيطانية ، وما حادثة الفنان نبيل العموش الذي منعته المليشيات الحوثية  قبل ايام من الغناء في مدينته  ـ بزعم ان الغناء محرم ، كون مدينة عمران اصبحت  (اسلامية) ـ الا نموذجاً ينضاف الى قائمة المحرمات المفروضة على  صعده والتي جاء الغناء على رأسها ، بأسلوب يتطابق مع اساليب الجماعات الجهادية التي ترى في الغناء والطرب من الكبائر.

فرض تعليم ديني موجه ، وعدم ترديد النشيد الوطني ورفع العلم وتحيته في المدارس ، واحدة من تجليات الحضور الحوثي الصارم في محافظة صعدة ، وهو ذات السلوك الذي اتبعه (انصار الشريعة) في المناطق التي تواجدوا فيها مثل (المحفد وعزان ) ومن قبلها (جعار ولودر).

الخروج على الدولة والمجتمع بوصفهما (جاهليين) اهم نزعات الجماعات الجهادية التي تحكم ممارستهم للعنف باسم الاسلام ، ويجدون  تبريراتها في تنظيرات المؤسسين (ابو الاعلى المودودي وسيد قطب) الذين يقولون بحاكمية الله على دونها من حاكميات البشر ، وهي الفكرة التي سيطرت على فكر الامام الخميني  في كتابه (الحكومة الاسلامية الصادر عام 1971) اذ يرى محمد سيد رصاص في كتابه (الاخوان المسلمون وايران ـ الحميني/الخامنئي) ان الخميني يقترب ويتطابق مع الاثنين في نظريتهما حول (الحاكمية لله) ، فعند الخميني مثل المودودي وقطب تنحصر سلطة التشريع بالله عز وجل، وليس لاحد أيا كان ان يشرِع ، وحكومة الاسلام حكومة القانون، والحاكم هو الله وحد هو المشرع لا سواه وحكم الله نافذ في جميع الناس (ينظر مادة للكاتب نشرت هنا تحت عنوان (الحاكمية عند المودودي وقطب والخميني بتاريخ 2 نوفمبر 2013)

باختصار شديد ان جماعات العنف الديني المسلح (الانصار) في الشمال والجنوب لا تعارضات جوهرية بينها بل انها تتفق في عدائها للحياة والتعايش ، بالرغم من التناقضات الفوقية  بينها.