اليمنيون تحت خط " الافقار "

2014/08/18 الساعة 05:55 مساءً

رحلة طويلة هي التي قطعها الاقتصاد الوطني حتى وصل الى الحال الذي هو عليه من التردي و المراوحة الغير مستقرة على شفير انهيار اقتصادي  كامل , وحال الاقتصاد هذا لا ينكره احد وان كان هناك خلاف محدود حول الاسباب واختلاف كبير حول المعالجات .

اليمن كمادة اقتصادية ليس بالضعيف او المحدود  بحيث يمكن تبرير حال الاقتصاد الوطني الذي يراوح فيه منذ سنوات طوال بضعف و محدودية الموارد , فما يتوفر للبلد من الموارد الاقتصادية هو كثير ومتنوع , و من المفترض ان  يعيش  البلد حالة اقتصادية مستقرة على الاقل ان لم يكن حالة اقتصادية متنامية وبوتيرة جيدة .

ثروة نفطية ليست بالقليلة , ثروة معدنية كبيرة , ثروة سمكية وبحرية واسعة  , ثروة سياحية ثريّة , ثروة زراعية متنوعة ووافرة  , ثروة انسانية كبيرة وفتية .. هذا هو التنوع للثروات المباشرة التي تتوفر للبلد , ومع ذلك يعيش البلد حالة من الفقر وسوء التغذية و تردي الخدمات و محدودية الفرص وتوسع البطالة والهجرة الداخلية والخارجية والكثير غير ذلك من المشكلات والويلات  ذات العلاقة بالوضع الاقتصادي فيه  .

وقع البلد على مدى العقود الماضية تحت سطوة قوى نفوذ ادارته بصورة تجمع بين الفشل والافشال المتعمد , واتسمت بأقصى صور العبث والنهب و الفساد و الاهمال  , وهذه القوى لايزال الاقتصاد الوطني بيدها بصورة جوهرية حتى اليوم , وخلال هذه العقود اضاعت  هذه القوى على الوطن فرصة الاستفادة المفترضة له من موارده المتاحة  , ووجهت عملية استثمار كل موارد البلد ومصالحة في اتجاه نفوذي يزيد من ثروات و مصالح تلك القوى ومتنفذيها  , وبعيدا عن الاتجاه الوطني الذي  يرفد الدولة وينمّي المجتمع .

اصبح الاقتصاد الوطني في ضل تولى مراكز النفوذ هذه  فريسة لأوسع حالة فساد تشهدها البلد عبر تاريخها  , واوسع حالة فساد مقارنة  بالدول التى في مستواها وحتى مقارنة بدول هي في مستوى ادنى منها بكثير . نُهب المال العام بصورة غير مسبوقة , نُهبت الثروات والمصالح الوطنية المشغّلة بصورة جوهرية , نُفرت رؤوس الاموال الخارجية من الاستثمار في البلد  , وحٌوربت ونٌهبت رؤوس الاموال الوطنية الحكومية  منها وغير الحكومية . ووجد البلد نفسه في ضل دولة فاشلة ومجتمع  " فقير "  يتصدران قوائم الدول الفاشلة والفقيرة .  

الحديث  عن الاصلاحات في البلد هو ايضا حديث تلوكه سلطة العبث والنهب والفساد على مدى عقود , لكنه حديث لم يجاوز حناجرها ومنابر اعلامها , ومثّل  ذرا للرماد في العيون حتى لا ينتفض المجتمع في وجه هذه السلطة ,  بينما الواقع كان ايغالا في العبث والفساد والنهب والتعطيل .  ومنذ وقت مبكر وجدت السلطة نفسها غير قادرة على تمويل انشطتها كيما تستمر  " كدولة " ,  وبدأت باختلاق الذرائع لفرض الجرع على المجتمع الذي كان يزداد فقرا وهي تزداد قسوة في الاقتطاع من دخله مرة بعد مرة  , ووصولا الى الجرعة الفاقرة الاخيرة التي تريد حكومة الوفاق ان تفرضها على المواطنين الذين يعيش اغلبهم  حالة يرثى لها اساسا .

بعيدا عن شرعية فرض الجرع وقانونيتها وجدواها واقتصاديتها  , حقيقة الجرع هي توفير موارد اضافية وجديدة لموازنة الدولة , وبذلك فالدولة بفرضها للجرع تموّل الفساد والنهب والعبث بأموال جديده اضافية كلما استنفذ المتنفذون والفاسدون الاموال المتوفرة للموازنة قبل كل جرعة , فالجميع يعرف والدولة في مقدمة من يعرفون ان الفساد والعبث يبتلع ما يقارب نصف موازنة الدولة بشكل مباشر , وعندما تفرض الدولة موارد جديدة واضافية  متمثلة في الجرع التي يتحملها المواطنون المطحونون دون إيقاف العبث والفساد العريض في الدولة  فأنها بذلك تموّل الفساد رسميا على حسابهم , ولكنها لا ولن  تحل مشكلة الموازنة او تنقذ الاقتصاد الوطني  .

على ما سبق نحن لسنا بلدا  فقيرا ,  فلنا من الموارد ما يكفي لان نكون في مستوى معيشي جيد , ولكننا مجتمع يتم افقاره عمدا ومن قبل سلطته ولصالحها , اولا بالفساد و بنهب وسوء ادارة الموارد  والمصالح الوطنية , وثانيا بتمويل الفساد والفاسدين بفرض الجرع المتتالية التي تزيد من تردي المطحونين في المجتمع الذي ثلثاه تحت خط " الافقار " .