الحوثي" و"الأحمر" و"عفاش"، نسخة اليوم من ثلاثية "السيد" و"الشيخ" و"الفندم" التي ظلت تشكل المشهد السياسي لليمن الشمالي في مراحله المختلفة منذ العهد الإمامي ثم في ظل الجمهورية قبل الوحدة ولازالت تعيد انتاج نفسها بذات الجوهر وبأشكال وأسماء مختلفة الى اليوم! صراع قديم متجدد على النفوذ والسلطة، يتدثر باسم الجمهورية حينا، وباسم الدفاع عن الدين والمذهب حينا ثانية، وباسم حماية الثورة وحماية الوحدة أحيانا ثالثة ورابعة..!!. كانت أحداث حاشد سنة 1957م بين الإمام أحمد وآل الأحمر أول محطاته الدموية، ثم توالت جولات الصراع في حرب الأعوام الخمسة بعد ثورة سبتمبر 1962م وأحداث السبعينات وحروب صعدة الستة وأحداث الحصبة وجامع الرئاسة والخمري ولن تكون أحداث عمران 2014م آخرها..
جولات من الصراع دمرت الوطن وأنهكت المواطن وأهدرت مقدرات البلاد وأفشلت مشاريع التغيير ووأدت ثورات الشعب وأسقطت وحدته.. ثم تنتهي بتوازن الرعب ومصالحات عائلية وتقاسم جديد للسلطة والنفوذ والثروة.. ثلاثية "السيد والشيخ والفندم" ثلاثية صغيرة، تشكلت في بيئة قبلية سلالية طبقية مغلقة في أقصى الشمال، ما كان لها أن تتحول إلى قوى رئيسية كبرى تهيمن على المشهد السياسي في اليمن برمته، لولا تشظي المشاريع الوطنية وفشل الحركات الثورية في بناء جسم سياسي قادر على حمل القضية الوطنية وصناعة التغيير الجذري الشامل! لقد آن الأوان لقوى التغيير في اليمن ان تعيد تقييم تجاربها الوطنية منذ حركة 1948م مرورا بثورة 1962م ووحدة 1990م وصولا الى ثورة 2011م؟!. ففترة أكثر من نصف قرن من التجارب الثورية ومحاولات التغيير كافية لأبناء اليمن لإدراك سلبيات "التغيير المنقوص" المقتصر على تغيير شخوص رأس النظام السياسي، حيث أصبحت الثورات غير المكتملة بمثابة "مصل" مناعة إضافي يمد القوى التقليدية بعمر جديد وطاقة جديدة!، ففي ظل التغيير المنقوص تحولت "الجمهورية" إلى شكل "ملكي" جديد تم فيه استبدال إمام زيدي بضابط زيدي وشيخ قبلي زيدي!، وتحولت "الوحدة" إلى شكل جديد من أشكال "الضم والإلحاق"، وقد يتحول مشروع "الدولة المدنية الاتحادية" الذي خرج به مؤتمر الحوار إلى أكذوبة جديدة في حال بقاء منظومة الضم والإلحاق على رأس هرم السلطة في صنعاء! إن قوى التغيير المتطلعة لبناء دولة مدنية اتحادية حديثة ونظام اسلامي عادل ونهضة تنموية شاملة، باتت اليوم على مفرق طرق مع تلك القوى التقليدية السلالية والقبلية والعسكرية التي لاتعرف من الدولة سوى السلطة ولاتعرف من الوطن سوى مساحة النفوذ ولاتعرف من الوحدة سوى الغنيمة والفيد.. وهنا تقع المهمة النضالية التاريخية على طرفين أساسيين في المعادلة الثورية:
أولاهما: قوى التغيير في الشمال التي باتت أمام خيارين: إما مراجعة أخطاء التغيير المنقوص والثورة الجزئية وتبني مشروع التغيير الشامل وحينها ستلتقي مع قوى الحراك الجنوبي الحرة على قاعدة مشروع وطني واضح المعالم باتجاه اسقاط منظومة التخلف والاستبداد وبناء دولة مدنية اتحادية حديثة، أو ان تصبح قوى التغيير ذاتها طرفا سلبيا وسببا إضافيا من اسباب دفع الجنوبيين نحو الخيار الباهض التكاليف في التحرير والاستقلال!
وثانيهما: شباب الحراك الجنوبي الذين باتوا هم أيضا أمام مسؤلية تاريخية تجاه شعبهم في الجنوب في تصحيح مسيرة الحراك حتى لا تتحول ثورة الشعب في الجنوب الى نسخة جنوبية للثورة المنقوصة!، فشعب الجنوب لا يريد الانعتاق من ثلاثية "السيد والشيخ والفندم" ليستبدلها بثنائية جنوبية أكثر شمولية هي ثنائية "الزمرة والطغمة"!.. فكما أن الله قد خلق ابناء الشمال احرارا، ولم يكتب عليهم العيش تحت رحمة السيد والشيخ والفندم إلى الأبد!، فإن أبناء الجنوب كذلك قد خلقهم الله أحرارا ولم يكتب عليهم العيش داخل قوالب الطغمة والزمرة إلى الأبد!. أدرك جيدا إن خيار المفاصلة مع القوى التقليدية خيار باهض التكاليف، وإن مهمة التغيير الشامل مهمة شاقة وطويلة، وإن نجاحها يتوقف على عدة عوامل ذاتية وموضوعية، ولذا سيكون الوقوف على بعض تلك العوامل هو موضوع حديثنا في الحلقة القادمة بمشيئة الله تعالى.
يتبع..