بقصد أو دونه أجّلت الحكومة مزامنة قرار تحرير المشتقات النفطية مع حزمة الإجراءات الإدارية والقانونية والمالية الواجب حضورها لتكتمل عملية الإصلاحات وتُجفّف منابع الفساد، وبعد أن شعرت بحرارة الغليان الشعبي تتصاعد؛ أطلقت مجموعة من الإصلاحات المهمّة الواجب تنفيذها، وكان الأولى أن تتم قبل رفع الدعم حتى تكون الدولة على بيّنة من مواردها وميزانيتها, أما الآن فقد أصدر رئيس الجمهورية مصفوفة إصلاحات تسحب البساط من تحت أقدام المتقوّلين والمتغوّلين بسلاحهم ودمويتهم دفاعاً عن الشعب، وهم من أذاقوه الأمرّين طيلة 950 سنة، وما لبث الشعب يتنفّس الصعداء، حتى خرج “سيد الكهوف” يمتطي عاطفة الناس ويقرّر اقتحام العاصمة بحجّة إجبار الحكومة على التراجع عن أسعار المشتقات النفطية، وهم من باعوها لمزارعي صعدة بأضعاف سعرها الحقيقي طيلة السنوات الماضية، سنتبيّن الآن حزمة من الإجراءات المهمّة التي كان يجب أن ترافق قرار تحرير المشتقات النفطية وما الذي تم تطبيقه من عدمه:
1 - إلغاء حالات الازدواج الوظيفي والوظائف الوهمية المقدّرة بـ300 ألف وظيفة، أكثر من نصفها في المؤسستين العسكرية والأمنية تمتص حزينة الدولة أكثر من 700 مليون دولار شهرياً، وتطبيق نظام البصمة في الجيش والأمن، هذا إجراء بدأ تطبيقه في المؤسستين العسكرية والأمنية من الشهر الجاري، ويعتقد خبراء اقتصاديون أنه سيوفر للخزينة العامة 200 مليون دولار شهرياً.
2 - إيجاد نافذة حكومية واحدة تتولّى استيراد وبيع وتوزيع المشتقات النفطية وتحصيل وارداتها؛ لأن الوضع الحالي بثلاث نوافذ حكومية «وزارة المالية وشركة النفط ومصافي عدن» هي فتحات ضخمة لاختلاس الموارد والتهرُّب من المسؤولية.
3 - تخفيف التمثيل الدبلوماسي في الخارج، وإغلاق السفارات اليمنية في الدول التي لا حاجة للدبلوماسية اليمنية فيها كدول أوروبا الشرقية والدول المتفكّكة عن الاتحاد السوفيتي.
4 - إلغاء ميزانية مصلحة شؤون القبائل التي تمتص 65 مليون دولار من خزينة الدولة سنوياً، وكل وظيفتها صرف مبالغ للمشائخ دون مبرّر قانوني أو أخلاقي فقط لأنهم «مشائخ» وللأسف بينهم كثيرون ممن انضموا أو هربوا إلى ثورة فبراير..!!.
5 - إصلاح أوعية التحصيل الضريبي والجمركي، ووقف الإعفاءات للقطاع الخاص، حيث بلغت العام الماضي ما يعادل ملياري دولار تحصّل عليها التجار كإعفاءات مقابل عمولة لمن يستخرج مذكّرة الإعفاء من الجهات المعنية، وأحياناً يكون المسؤولون أنفسهم هم التجار..!!.
6 - رفع مستحقات من يتحصّلون على رواتب من الضمان الاجتماعي، فمن غير المعقول أن تصرف الدولة للفرد ستة آلاف ريال كل ثلاثة أشهر.
7 - تقديم رؤوس الفساد الذين ثبتت إدانتهم إلى محاكم عادلة ومستعجلة حتى يكونوا عبرة لغيرهم، وترضية للشعب بجدّية الحكومة في مكافحة الفساد.
8 - إلزام الجهات الحكومية والأهلية بسداد مديونيتها، فوزارة الكهرباء تقول إن لدى القطاع الخاص والأهالي ديوناً متعثرة تقارب 300 مليون دولار، والكهرباء مديونة لشركة النفط بـ450 مليون دولار، ووزارة الدفاع مديونة للنفط بـ52 مليون دولار، وطيران اليمنية مديون للنفط بـ 40 مليون دولار، وشركات القطاع الخاص النفطية مديونة للنفط بأكثر من نصف مليار دولار.
9 - وقبل وبعد كل خطوة إجرائية يجب القضاء على الفساد في أجهزة مكافحة الفساد، فالطبيب الماهر لا يستخدم أدوات ملوّثة لتطهير الجراح، فالفساد في الجهات الرقابية لا يقل عن فساد مؤسسات الدولة الأخرى.الشيء المؤكّد في تجارب كل الشعوب هو أن جماعات العنف لا تبني أوطانها ولا تحقّق أهدافها؛ لأنها تشرّبت فكرة الدماء وتظل في دوامة صراعات والثأر ممن وقف في طريقها ولو بمجرد رأي مختلف.