يوما بعد آخر يتكشف لنا هذا المسار عن مخاطر جمة وخيبات تفوق احتمالات الأمن والرجاء.
وبحساب المكسب والخسارة، نحن نخسر كل يوم نخسر الحضور والقوة والجماهير ونخسر المعارضة والسلطة والدولة ولا نكسب غير مزيد من المخاوف والأوهام والشرور المحدقة.
الحوثيون والقوى المنتقمة من وراءهم استثمروا المساحات الفارغة التي تركناها وراءنا لصالح الانضمام إلى الخديعة المرعية من الخارج والتي لم تفعل شيئا سوى حشر القوى السياسية في مربع الخسران خسران المشروع والقوة والوحدة والثقة.
الحوثي لا عب مدفوع خدمه فشل اللاعبين الكبار لا أكثر.
وكما أُخليت أمامه المواقع العسكرية والمدائن وجد الساحة السياسية خلاء مفتوحا للحضور؛ بدا كل شي معه وضد جميع الساسة. لاح اليأس العام نصيرا وظهيرا؛
كان من السهل عليه بعد صعدة وعمران والتربص بالجوف أن يبسط على المعارضة والشعب وأن يعلن عن نفسه ممثلا له بالقوة في مواجهة كل المحشورين داخل سجن المبادرة والذين بدوا كمن خسروا البلاد والعباد ولم يكسبوا سوى الحوثي عبد الملك خصما لا يملك الكثير مما يؤهله لنيل هذا الشرف.
الآن هل في وسع الكبار الفكاك من سجن الخيبات والعودة الي ماتبقى من الشارع الموزع بين المخاوف والكوابيس المرعبة؟.
ماذا سيحدث لو ترك الإصلاح الحكومة وأعلن موقفا متخففا شبيها بموقف الحوثي ونزل بجماهيره إلى الشوارع معلنا تبرأه من غيه القديم. لينحاز بهذا للجماهير رافضا الجرعة ومطالبا بإسقاط الحكومة وتشكيل حكومة بديلة؟ .
ماذا لو خرج بحشوده ودونما سلاح إلى مداخل العاصمة وأعلن تطويقها كما يفعل الحوثي وأعطى هادي مهلة كي يتراجع عن الجرعة وينفذ مطالبه؟
ماذا لو فعل ذلك ولاح اليدومي كل يوم بخطاب ضاج فظ مهدد يطفح بالوعيد ويحذر من التصعيد وينذر هادي بما يسلبه الهدوء والسكينة ؟
ماذا لو خرج الإصلاح من الحكومة متأبطا مخرجات الحوار والأسلحة الثقيلة داعيا إلى تنفيذها قسرا وحسب ما يراه ويقرره؟
ماذا لو فعلها الإصلاح وعاد معارضا متجاوزا الحوثيين في تعبيره عن قضايا الوطن والمواطن؟
ترى هل ستتسع له شوارع المدائن وصدور النخب ؟وهل سيمنح بعضا من المباركة التي يحضى بها الحوثيون ؟
هل سيمنح من البشاشة والهشاشة ما يغري برفعه الصوت وتلويحه بالموت ؟
ماذا لو شرع الإصلاح بشن الغارات الفعلية والخطابية وشرع بتغيير أسماء الشوارع واستحدث المتاريس والخنادق في كل حي ونشر مليشياته المسلحة هنا وهناك انتظارا لكلمة العزي اليدومي الأخيرة ؟
هل سيمنحه الحوثيون هذا الحق الوطني كما يمنحون أنفسهم مطلق الحقوق الإلهية والبشرية في قول وفعل ما يشاؤون ؟
ماذا سيقول الكتاب العصابيون المتحذلقون المباركون مسيرة الموت وزحف حشود الخراب؟
هل سيهللون للإصلاح ؟ أم سينهالون عليه ضربا وطعنا واتهاما وتجريما ورميا بكل الموبقات ؟
كل ما هنالك أن الإصلاح مثقل بالتزاماته المبدئية لا يقدر علي التصرف إلا كحزب سياسي لا يمكنه العمل خارج الشروط الوطنية ولا يسعه القيام بما يجافي جوهره وطبيعته المدنية لا يسعه الاعتماد على وسائل وآليات قتل وتدمير وأدوات إرهاب وإرعاب وليس بمقدوره التنصل بسهولة من واجباته ومسؤولياته وتعاقداته وشراكته في العملية السياسية وحماية هذا المسار الذي توافق عليه الجميع من اجل بناء اليمن
الحوثيون متخففون لا يتصرفون كحالة مدنية ولا يعملون ككيان سياسي تحكمه التقاليد والمواضعات المقررة.
لا يرون أنفسهم ملزمين بشي تجاه احد في وسعهم التنصل والتهرب من كل الاتفاقات.
هم حالة منفلتة ووجود إشكالي استغل قلق المرحلة وفرض نفسه كتهديد وكطرف متخلي متطلب للإرضاء يطلب الاعتراف من الجميع في حين ينكرهم بلا تردد ودونما اكتراث
دخل الحوار بذهنية المحارب واسهم تفلته وتخففه من قيود الممارسة السياسة لتوسيع مساحات مناوراته في حين لاح أن خيارات الأحزاب أخذت تضيق نظرا لهشاشة المرحلة وتناقض بنية الحكم وتعاظم المشكلات وتنامي الفقر ولاختناق المعيشي العام.
استمر الحوثي معبرا عن نفسه كحالة خارج الإجماع الوطني مطالبا بحق المنتصر من المهزوم.
استمر جانحا لا تعنيه التبعات ولا العواقب يبحث عن غطاء من عداوات تسهل له مهمات افتراس الحياة الحزبية المعيقة لبدائيته النزقه.
تمنيت أن لو يستطيع الإصلاح الخلاص من أسار التزاماته الكبرى والانسحاب إلى المعارضة سيما في ظل منظومة حاكمة لا تبدي استعدادا للدفاع عن الأحزاب السياسية وهي من أهم المكاسب الوطنية في تاريخ اليمن المعاصر في حين تتملق حالات خارجة متمردة بما يثير الريبة ويبعث على الشك
الذين ساووا بين الإصلاح والحوثي بعمران ارتكبوا خطأ كبيرا يرون الآن بعضا من نتائجه المرة.
لا يوجد حزب سياسي يستطيع اقتراف هذه الفظاعات. ليس سوى الحوثي يفعل هذا.