مجانين فوبيا أخطاء الإصلاح!

2014/09/01 الساعة 04:08 مساءً

 لأنه قاسم مشترك في الخطاب السياسي والإعلامي لجماعات سياسية وفكرية عديدة؛ وعلى اختلاف مشاربها وأهوائها؛ فقد صار هاجساً جنونياً لها جميعاً.. وكابوساً كالسرطان يفرض أحلامه المزعجة في النهار قبل الليل.. وفي اليقظة قبل المنام!

     أتحدث اليوم عما يمكن وصفه بـ "فوبيا الإصلاح" والإسلاميين عامة.. أو إن شئتم فيمكن تسميته بالحملة الكونية للحديث المستمر الذي لا يتوقف ليلاً ونهاراً عن "أخطاء الإسلاميين" الذين وصلوا إلى السلطة بواسطة الانتخابات الحرة والنزيهة؛ وسواء أكانوا منفردين أو متحالفين مع غيرهم!

   جماعات وأفراد، وصحف ومواقع وقنوات، وكتاب ومحللون قدامى أكل الفشل والإخفاق منهم، وجدد ما يزالون بقراطيسهم، يصاب الواحد منهم برازم من النوع الثقيل وهو يجاهد لإكمال كتابة ميني مقال ضد.. الإصلاح الفاشل أو الإسلاميين الفاشلين في بلاده.. أحزاب أوردت البلاد التي حكمتها إلى الهاوية والتخلف والفشل بمستويات عالمية نادرة.. وأحزاب أخرى تعقد مؤتمراتها العامة في غرفة مقيل (5×6) أمتار.. ومع ذلك يجلسون كلهم على راحتهم، ويمدون أرجلهم إلى آخر مدى دون أن يضايق الذي بجانبه، وعندما يريد أن يهدي جاره شيئاً من القات يضطر لرميه إليه رمياً!

   حالة عصبية بالغة الحرج ليس للمشار إليهم فقط؛ بل لنا نحن أيضاً أبناء التيار الإسلامي؛ فقد صرنا نشعر أننا عبء على هؤلاء المرضى بفوبيا الإصلاح والإسلاميين في كل مكان.. ونحن نقصد بالذات الإسلاميين الذين يوصفون بالمعتدلين الذين يمارسون نشاطهم في إطار سلمي ملتزم بالقوانين والدساتير.. ولا نقصد الجماعات المسلحة التي لا غرابة إن أثارت الرعب في نفوس مرضى فوبيا الإسلاميين، وجعلتهم يجتهدون لتعلم ما تيسر من تعاليم الإسلام احتياطاً ليوم قد يسألون فيه عن أبجدياته!

أصل.. العلة!

 في تعليق ظريف لأحد الزملاء (أظنه موسى النمراني) سخر فيه من فوبيا الإسلاميين قائلاً ما معناه: "الإخوان طيبون.. ومناضلون.. بس ما يفوزوش في الانتخابات!".. بمعنى أن المطلوب من الإسلاميين أن يكونوا أغلبية في مقدمة الصفوف حين الكر والفر.. وعندما تسيل الدماء، ويتساقط الشهداء في مواجهة بطش الأنظمة ورصاصاتها، ولا مانع أن يحصدوا المراكز الأولى بالمئات في عدد الشهداء والجرحى، ويحصلوا على الأغلبية الكاسحة في ذلك.. وأن يسهروا الليل في حراسة منافذ ساحات الثورة.. ويأتوا بنسائهم وبناتهم ليقفوا تحت الشمس في المداخل الخاصة بالنساء.. وعليهم ألا ينسوا واجب الضيافة لثوار آخر لحظة (الذين سيسلقونهم بألسنة حداد بعد النصر وليسوا الثوار الطيبين المخلصين) فيوفروا المياه في الحمامات السفري التي بنوها، بينما الآخرون يمضغون القات في الخيام وهم يتحدثون عن الثورة الناقصة والكاملة.. وفي أوقات الطعام عليهم أن يقوموا بخدمة الآخرين.. وفي المواجهات الدموية فجراً وليلاً عليهم أن يتصدوا لجنود عفاش والبقرة الضاحكة عندما يكون الآخرون ذوو الألسنة الحداد قد آووا إلى بيوتهم!

  من اليسير فهم حالة العداء الصليبي للمخلوعين وأتباعهم والدول الراعية لهم، للإسلاميين الذين كانوا القوة الشعبية الأكبر التي أسهمت في الإطاحة بأصنام العرب.. لكن محاولة فهم عداء الذين كانوا مع الإسلاميين (أو خلفهم على الأصح!) في ساحات الثورة تبدو صعبة إلا إذا تم تفسيرها بأن الثورة لم تطهرهم من الجبن، ورفض الآخر، وعدم الإنصاف، وتفضيل زمن الذل تحت بيادات العسكر والحكام على زمن الكرامة في ظل حكم الإسلاميين.

 

 وحتى وصل بهم المرض إلى درجة المشاركة في انقلابات ومؤامرات عسكرية تقف وراءها دول طالما عادوها كما يحدث الآن في مصر وليبيا!

  المخلوعون العرب الذين أوصلوا بلدانهم إلى حالة مريعة من الفشل الاقتصادي، والتخلف الحضاري، والعمالة والتبعية للعدو التاريخي للأمة؛ راحوا يتحدثون - وكأن الواحد منهم رجب أردوغان ومحمد مهاتير- عن فشل الربيع العربي وفشل الإسلاميين مقارنة بالنجاحات المزعومة التي حققوها (حتى قال مسيلمهم الكذاب: إن الراكب في زمنهم كان يسير من صنعاء إلى حضرموت آمناً مطمئناً!)..  رغم أن الواحد منهم هبش السلطة ثلاثين عاماً امتدت عند القذافي إلى أربعين سنة ما يعدون.. ثم انكشفت حقيقة حكمهم أنها ليست فاشلة فقط بل هي الأنموذج للفشل العالمي: فلا كهرباء صالحة للاستخدام الآدمي.. ولا خدمات صحية وبيئية مما تحظى به الحيوانات في أوروبا!

    ولا غرابة أكثر من ذلك إلا أن المشار إليهم من ساحات الثورة؛ امتشقوا أقلامهم وبياناتهم ليبرروا الانتكاسة والانقلابات بعبارة واحدة هي: فشل الإسلاميين في الحكم! وفي تحقيق أهداف الثورات! وممارساتهم الإقصاء والتهميش! ولم يخجلوا حتى أن يكونوا رديفاً للمخلوعين وأبواقاً في صحفهم وقنواتهم! وهم أنفسهم الذين يسكتون حتى الآن عن التنديد ولو كان رومانسياً بحرب الإقصاء الشاملة التي ينفذها الحوثة في المناطق التي يحتلونها.. أو عن الفشل في إدارتهم لدولتهم حتى جعلوها كعهد الإمام يحيى!                                              متخصصون في.. الفشل!

     بصرف النظر عن أن الإسلاميين في تونس واليمن لم يكونوا يحكمون بمفردهم بل متحالفين مع آخرين.. وأن الإسلاميين في مصر بدأت حملة اتهامهم بالفشل بعد ثلاثة شهور بل أقل من وصول مرشحهم إلى كرسي الرئاسة! وبصرف النظر عن أن الحكم عن فشل أو نجاح سلطة حاكمة في نظام ديمقراطي لا يكون إلا عبر ممارسة ديمقراطية نزيهة يوق الشعب رأيه فيها وليس عبر المقالات والتسريبات الصادرة من مركز التحشيد والتآمر!

  بصرف النظر عن كل ذلك.. إلا أن حملة "الإسلاميون فاشلون" تبدو مضحكة بالنظر إلى نوعية جنودها.. وإلى مضامينها ومبرراتها:

 فبالنسبة لجنودها كان مسلياً أن تقرأ لمبتدئ في العمل السياسي؛ وحالم تاريخي بنشر مقاله في بريد القراء لولا فوضى الإنترنت؛ يتحول إلى محلل سياسي وجهبذ اقتصادي وهو يتحدث عن فشل الإسلاميين في إدارة الدولة وتنمية الاقتصاد.. ومثله آخرون قضوا كل السنوات السابقة وهو ينكرون وجود دولة في اليمن ثم ها هم يتهمون الإصلاح بالفشل في إدارة الدولة.. المهلنيش!

     يحتار الواحد من المشار إليهم كيف يبدأ حياته الصحفية؛ فيطمئنه زميله بأن أبسط مما يتخيل: اندع مقال ضد فشل الإسلاميين.. وانقلابهم على الثورة!

     وتحتار "ناشتة" كيف تروج لنفسها علها تحصل على جائزة دولية أو سفرة تفتهن فيها من الثورة والثوار.. فينصحها إبليس آخر أن تصوب رصاصاتها ضد الإصلاح والإصلاحيين الذين منعوها من الالتحام بالرجال في المسيرات.. ووضعوا حواجز بين الذكور والإناث لأسباب كثيرة أقلها لكيلا يتخذها سفهاء النظام السابق فرصة للتهريج الإعلامي عن الاختلاط المحرم في الساحات.. ودعوة الآباء لسحب بناتهم صيانة لأعراضهم!

   ولا يكاد كثيرون من المصابين بمرض أخطاء الإصلاح ينسونه مرة واحدة.. فإذا أدانوا أخطاء الإسكندر الأكبر أو نابليون أو علي صالح أو أي مخلوق في الأرض؛ فلا بد أن يزجوا "أخطاء الإصلاح" في الكلام لكيلا يظن أحد أنهم غير موضوعيين.. أو عملاء له.. او لا قدر.. متدينين!

  ولأن الحديث عن الفشل مرض كما سلف؛ فقد وجدت بين الأوراق نصاً لتصريح قديم لأحد زعامات السلطة الفلسطينية بعد فوز حماس بالأغلبية المحرمة – أي قبل قرابة ثماني سنوات- يندد فيها بفشل.. حماس!  والرجل عاش حتى الآن ورأى بعينيه كيف نجحت حماس المحاصرة في تحقيق ما عجزت عنه دول عربية الواحدة منها تساوي بسكانها ومساحتها وثرواتها قطاع غزة أضعافاً! ونسي كيف فشلت سلطته حتى في حماية قادتها ونجحت فقط في تحويل الضفة الغربية لتكون مزرعة لبني صهيون يعيثون فيها فساداً أمام ناظريهم!

اضحك مع مبررات.. الفشل!

     في رصد على الماشي لمبررات دعاوى فشل الإصلاح، وتحميله مسؤولية ما يحدث.. كانت هناك هذه الاتهامات التي تحمل الإصلاح مسؤولية كل مشكلة حسب رؤية صاحبها:

- المؤتمر يحمل الإصلاح المسؤولية لأنه تحالف مع الاشتراكي والمعارضة!

- الآخرون يحملون الإصلاح مسؤولية الفشل لأنه تحالف مع نصف النظام السابق!

  - والوحدويون يبغضونه لأنه تحالف مع الانفصاليين!

   - الانفصاليون يكرهونه لأنه دافع عن الوحدة!

   - الحوثيون يعادونه لأنه أقصاهم في الساحات وحاربهم!

   - كارهو الحوثة ينددون به لأنه سمح لهم بالوجود في الساحة ولم يحاربهم!

 -  كارهو الغرب يرفضونه لأنه منفتح على الغرب ويواليه، ويلتقي بممثلي السفارات الأجنبية!

 - محبو الغرب يرفضونه لأنه حزب متطرف معادٍ للتطور والتقدم!

 -  الذين لم يلحقوا عسلها: لأنه وافق على المبادرة الخليجية وملتزم بها!

 - الذين تضرروا منها لأنه يتآمر عليها!

وأثناء إعلان جرعة إلغاء دعم المشتقات النفطية:

- المؤيدون للجرعة يتهمونه برفضها والتحريض عليها والتحالف مع الحوثيين!

-  الرافضون للجرعة يصفونها بأنها جرعة الإصلاح!

 وأخيراً.. وقبل أن تتحول أخطاء الإصلاح إلى قضية عالمية شائكة ولا انتشار سلاح التدمير الشامل.. ندعو الأخوة حاملي شهادات الماجستير والدكتوراه في أخطاء الإصلاح خاصة والإسلاميين عامة أن يهتموا قليلاً بأخطائهم وبلاويهم بوصفهم بشراً هم أيضاً، ولا يمكن أن يديروا دولاً ووزارات ومؤسسات ومحافظات دون أن يرتكبوا أخطاء وفظائع.. وحبذا لو تفرغوا لنقد أنفسهم عن أخطائهم الجديدة المتجددة.. أما القديمة وحتى التي ما نزال نعاني من آثارها حتى اليوم؛ فلا نقول لهم إلا: سماح يا عين.. وخلوا الطبق مستور!