ما من شك بأن مخرجات اللقاء الوطني الذي عقد اليوم الثلاثاء بصنعاء برئاسة الرئيس عبد ربه منصور هادي تعتبر مخرج بدرجة ( بياض الوجه) لكل الاطراف بغض النظر عن الطرف المنتصر لان الانتصار اولا واخيرا هو لليمن.
البعض يرى ان القرارات المتفق عليها هي انتصار لجماعة الحوثي التي فرضت شروطها بالقوة ويحسب لها قرار تشكيل الحكومة وقرار تخفيض سعر المشتقات النفطية التي اعلن الرئيس اكثر من مرة بأنه لاتراجع عن قرار رفع اسعار المشتقات النفطية ، ويحسب لها قرار تطبيق مخرجات الحوار واي قرارات اتخذت على ضوء تهديد الجماعة بإسقاط الحكومة ومابعدها .
وهناك من يرى ان القرارات التي ستصدر هي تلبية لضغوطات جماعة الحوثي وتهديدها بإسقاط السلطة وان اي قرارات ستصدر تحت ضغط جماعة الحوثي تمثل انتكاس للدولة وتعبر عن ضعف القيادة وتضعف هيبة الدولة وتعزز هيبة الجماعة وكان الواجب على الدولة حماية هيبتها واظهار قوتها بوجه جماعة الحوثي المسلحة ، وان التنازل والخضوع لجماعة الحوثي سيفتح شهية الجماعات المسلحة الاخرى وخاصة الحراك المسلح وحلف القبائل الحضرمية القريب من القاعدة وسيفتح شهية انصار الشريعة ويحاولون تقليد جماعة الحوثي التي استطاعت اثبات شرعيتها بقوة السلاح ، وقد يمثل هذا التنازل من السلطة لجماعة الحوثي فعلا مقبولا لدى بعض الكيانات الجغرافية ( شمالية او جنوبية) وتتجه لحمل السلاح بوجه الدولة للضغط عليها لتلبية مطالب وشروط معينة .
وهناك من يرى غير ذلك ويؤكد ان لا جدوى من اي قرارات جاءت لتلبية مطالب جماعة الحوثي اذا لم تتواكب مع فرض هيبة الدولة واستعادة سلطتها وبسط نفوذها على كامل التراب اليمني والزام جماعة الحوثي بتحويل نفسها الى حزب سياسي وقيام الدولة بسحب اسلحتها وانهاء سيطرتها على صعده وعمران والمديريات الاخرى في حجة والجوف ووقف حروبها مع الدولة والقبيلة واي اطراف اخرى ، المفروض ان يكون للتنازل ثمن يعود بالفائدة على الدولة والمواطن وهو اخضاع جماعة الحوثي لسلطة الدولة وقوانينها واذا لم يكون ذلك فالواقع ان التنازل منح جماعة الحوثي سلطة اقوى من ما كانت عليه قبل الموافقة على مطالبها التي فرضتها بقوة السلاح .
الآراء السابقة رغم اختلاف وجهة النظر ، نجد ايجابيات في بعض ما ورد فيها ، بعضها حقيقة نظرية والبعض منها حقيقة واقعية ، والافضل تجنب المقارنة بينهما بشكل تفصيلي بحثا عن الايجابيات والاخفاقات.
ما يهمنا - جميعا - هو الوصول الى مستوى عملي من الاتفاق ونزع فتيل الازمة وخفض درجة التوتر الى ادنى مستوياته ، من اجل استقرار الاوضاع بشكل عام وتحقيق الامن بشكل ملموس وعملي والخروج من حالة الاصطفاف والاصطفاف المضاد والبحث عن تحقيق درجات من الانتقام والانتقام المتبادل وتسجيل اخفاقات هذا الطرف او ذاك والاستقواء بهذا على ذاك كما هو الحال من ثلاث سنوات تقريبا انعكست سلبا على الوطن ومؤسساته ومستويات معيشته وامنه .
التنازل قيمة سياسية واخلاقية ، والتنازل لايعني الهزيمة او الانتصار بالمطلق ، وعدم التنازل يؤدي الى حماقات وقرارات خاطئة ونتائج كارثية ربما لا يستطيع اي طرف التحكم والسيطرة على الاحداث في حال انزلقت الاوضاع وتحولت من سراع سياسي الى صراع مسلح ، حينها نجزم ان الكل مساهم ومشارك بالاوضاع التي ستتحول الى حرب اهلية لاسمح الله .
لا ننكر حكمة الرئيس عبد ربه منصور هادي والقوى السياسية التي وقفت بجوار الرئيس وساندة التعامل بحكمة من خلال الاعتماد على سياسة " سيف السلم " الذي اتقن استخدامها الرئيس هادي ، وبنفس الوقت لا يجب التنكر لتجاوب جماعة الحوثي مع القرارات التي انتجتها سياسة الحكمة وسيف السلم ، ولا ننكر على جماعة الحوثي حقها بممارسة وسيلة " مدمراقطية " وهي هجين مزج بين التعبير السلمي لوسيلة التظاهر والاعتصام المسنود بالسلاح وخطابات الحرب والسلم معا ، جماعة الحوثي رأت ان هذا هو الاسلوب الديمقراطي للتعبير وكسب عاطفة الشارع وربما انها اخترعت هذه الطريقة كبديل للعمل المسلح فلو كان كذلك فهذا ايجابي جدا.
العبرة بالمختم كما يقولون .. بمعنى أوضح ، هو ترجمة مخرجات التوافق الاخيرة والمبادرات الى برنامج عمل وطني والسير نحو تطبيق وتنفيذ مخرجات الحوار الوطني بإعتباره اهم وانجح وثيقة انتجها التوافق اليمني من كل مكوناته المختلفة ، واستكمال صياغة الدستور لنتظيم شكل الدولة وسلطاتها المركزية او الاقليمية للذهاب نحو مستقبل افضل على مختلف الاصعده .
هناك واجبات والتزامات مطلوب تنفيذها من كل الأطراف واهمها طرف السلطة ممثلة بفخامة الرئيس هادي والحكومة وباقي الاطراف الشركاء بالحكومة او بالمعارضة .
مخرجات الحوار الوطني هي خارطة الطريق الامنة والعمل على تنفيذها من كل الاطراف تعتبر اولوية وطنية ، ومن الاهمية الوقوف عند الاخفاقات للمرحلة الماضية والعمل على اغلاق وانهاء اسبابها ودوافعها وعناصرها واشخاصها ، وكلها معروفة والكل مساهم في تلك الاخلاقات بصورة مباشرة او غير مباشرة ، سواء بالفعل او رد الفعل ، وعلى الرئيس هادي مراجعة ادوات واساليب العمل السابقة وان يستبدلها بأدوات وأساليب تنطلق من روح المصلحة الوطنية العليا ونصوص الدستور والقانون والتخفيف نسبيا من الاعتماد والاستعانة على الخارج في ادارة شئون البلد ، وعلى الاطراف المحلية وشركاء المرحلة ( القوى السياسية والسلطة وحلفائهما) ان يضعوا حدودا للتدخل الاقليمي والدولي لان هذا التدخل لن يصب بمصلحة اليمن على درجة اساسية وانما هو بديل افتراضي لممارسة الصراع بين الاطراف الاقليمية على ارض افتراضية بالنسبة لهم ، وعلى الاطراف اليمنية ان تستوعب طبيعة هذا الصراع وتستوعب المتغيرات ، دول الخليج اعلنت عدائها لدولة قطر واعلنت موقف سياسي رافض لتركيا واعلنت تأييدها الى حد الاستماتة لدولة مصر واعلنت تأييدها من وراء حجاب لدولة اسرائيل الغاصبة ، وتبدلت المواقف وهو شيئ طبيعي في العلاقات السياسية ، وتصالحت دول الخليج مع قطر وتحاول العودة الى تركيا وستستعدي مصر واسرائيل وهكذا ، فلا يجب ان يكون اليمن " مرآة " للحالة الخارجية مساهما بالدعم لتفاصيلها ، يجب ان تظل الخصوصية اليمنية بارزة وان تكون المصلحة العليا لليمن هي اساس العلاقة مع الخارج ايا كان توجهه او جغرافيته .
الرئيس هادي والحكومة امام ملفات معقدة ومخلفات تراكمية ثقيلة وعليه استعادة دوره القيادي وثقة الشعب به كرئيس استثنائي لمرحلة استثنائية بكل تفاصيلها ، وعليه اخراج سيف القانون والعدل من غمده والعمل على تصحيح مؤسسات الدولة من الفاسدين واغلاق اوكار الفساد والبؤر التي تنتج الفساد وعملياته، والعمل على اعادة مكانة المؤسسة العسكرية واعادة ثقتها بدورها ومكانتها ، والعمل على فرض الامن والاستقرار للشعب وفرض هيبة الدولة واستعادة وظيفتها على كل محافظات ومديريات الجمهورية ، وان يستند على الدعم الشعبي والاصطفاف الذي اعلنته جماهير الشعب ، وعلى كل الاطراف والقوى السياسية العمل على دعم الرئيس هادي بإعتباره الركيزة الاساسية لشرعية المرحلة وانه المرجع الآمن والضامن للحفاظ على الدولة وحمايتها من الانهيار ، وقد اثبتت الاحداث السابقة كلها انه شوكة الميزان الذي لم يسمح بترجيح كفة هذا الطرف على طرف اخر .
اذا لم يفرض الرئيس هادي هيبة وسلطة الدولة على الكل فلا قيمة لكل المخرجات والمبادرات وانها عبارة عن لغم مؤقت للانفجار سينفجر في حال استمرت مبررات وشعارات الصراع بين الاطراف ، وقد يكون القادم اكثر خطرا بسبب فهم البعض لحكمة الرئيس على انها هزيمة وضعف وان هذا البعض هو صاحب الانتصار ، هذا هو اللغم المؤقت الذي يجب على الرئيس نزع " صاعق " الانفجار والمتمثل بإخراج سيف القانون والعدالة من غمده بدلا من سيف الحكمة الذي طال العمل به طويلا .
من كان وجود المناضل محمد سالم باسندوة مبررا له وممارسة عرقلة اداء الحكومة ، هاهو محمد سالم باسندوة غادر المنصب حاملا معه صفحة بيضاء سيعترف بها من اعلنوا الخصومة له ومارسوا بحقه اعمال واقوال بعضها تجاوز حدود ادب الاختلاف ، تولى مهمته بناء على تكليف وتوافق وهو الاساس ، وعمل بعيدا عن الاضواء ولم ينحاز لطرف على حساب طرف اخر ، كان همه الوطن بكل تفاصيله ، لكن التغول بإستعدائه جعل البعض يتنكر دور هذا الرجل الذي تولى رئاسة حكومة الوفاق في ظروف استثنائية امنية واقتصادية واجتماعية وحمله البعض اخفاقات لم يكون له يد فيها لا من قريب ولا من بعيد ، سيشهد - وقريبا - كل من وقفوا بوجهه انه كان الامين على مسئوليته وانه والمؤتمن على المال العام الذي جعل حرمته هدف سلوكي وقيمة اخلاقية ولم تمتد يده للمساس بالمال العام ولم يسجل ضده اي حالة استغلال لمنصبه ، انا على ثقة ان خصوم اساسيين له سيقدمون شهادات بحق هذا المناضل وان كانت شهادتهم في الوقت الميت لكنها ستكون اعتذار !! .
من كانوا يعتبرون وجوده عقبة عليهم اعلان استقامتهم ومساندتهم للحكومة القادمة وعليهم ان لا يستمروا بممارسة الخطأ الذي مارسوه بحق الأستاذ باسندوة ، وليعتبروا عدم وجوده رئيسا للحكومة فرصة للتصالح مع الوطن .
ما هي الخيارات المتاحة لمواجهة تعنت جماعة الحوثي ..
الأكيد ان القرارات التي أعلنت اليوم باللقاء الوطني انها جاءت بعد موافقة الحوثي عليها ، واعلانه رفضها - ان صحة الاخبار - يعني ان موافقتها عبارة عن بالونة قدمها للرئيس ورفضه للمبادرة يعتمد على اضعاف مكانة الرئيس بعد احراجه بالتنازل وتلبية شروطه .
المفروض ان يكون لدى الرئيس هادي خيارات احتياطية لمواجهة تعنت الحوثي وان ينطلق الرئيس هادي من سقوط مبرر الحوثي واستغلاله لتحرير المشتقات النفطية من الدعم الحكومي، الرئيس هادي امام اختبار حقيقي وعليه الانتباه للخطر الذي يزعزع مكانته وسلطته وشرعيته وعلى الرئيس هادي ان يعرف ان سقف مطالب الحوثي بعد هذا سترتفع وستصل اليه شخصيا!