ما يحدث في اليمن من قبل الحوثيين فاق كل التوقعات، فهذه الحركة التي كانت ثقافية في البداية ولها مطالب محدودة في منطقة صعدة التي تقع شمال العاصمة صنعاء وتبعد عنها حوالي 240 كيلو مترا تحولت خلال فترة وجيزة إلى خطر طائفي داهم يهدد بناء الدولة اليمنية والاستقرار القائم بها.
صحيح أن الحوثي ينتمي إلى الزيدية لكنه لا ينتمي إلى الهادوية التي ينتمي لها معظم أهل اليمن من الزيدية وهم كما يقول العلماء «سنة الشيعة» لأنهم لا يتفقون مع الشيعة الاثني عشرية في شيء سوى أن علياً رضي الله عنه كان أحق بالخلافة لكنهم لا يسبون الصحابة ولا يجيزون زواج المتعة ولا يؤمنون بالتقية أو الرجعة أو غير ذلك مما يذهب إليه الشيعة الاثنا عشرية وهذا ما جعلهم يتعايشون مع باقي السنة الشوافع من أهل اليمن دون مشاكل أو خلافات أو فوارق جوهرية في المعتقدات والعبادات، أما بدرالدين الحوثي الذي هو جارودي المذهب أي أنه أقرب ما يكون إلى الفكر الشيعي الاثني عشري ولهذا حظي بدعم إيران منذ بروز جماعته عام 1991 وفي عام 1994 سافر بدرالدين الحوثي وابنه حسين إلي إيران وبدأت عملية التواصل مع الإيرانيين، حيث أوفد مئات الطلاب اليمنيين التابعين له للدراسة في إيران وكان هؤلاء يعودون مشبعين بالفكر الاثني عشري الذي لا يقره الزيديون من أهل اليمن ولأن الأئمة الزيديين كانوا يحكمون اليمن حتى عام 1962 فقد ألهم هذا الأمر الحوثي أن يقوم بالثورة على الدولة مثلما فعل الخميني في إيران ويعيد حكم الإمامة الزيدية إلي اليمن ويكون هو الإمام أو ابنه حسين الذي عاد من إيران وبدأ يؤسس لهذا الهدف فبدأ تشكيل خلايا عسكرية سرية بدعم إيراني تمكنت من خوض ست حروب ضد الدولة اليمنية من عام 2004 وحتى عام 2010 وكانت كل هذه الحروب في منطقة صعدة، لكن السلاح والدعم المادي الهائل الذي كانت تتلقاه جماعة الحوثي من إيران، علاوة على الطبيعة الجبلية الصعبة للمنطقة وتترس مقاتليها بها جعلها تصمد أمام الدولة ومن ناحية أخرى فإن الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح قد لعب دورا كبيرا في تضخيم جماعة الحوثي واستخدامهم فزاعة يستنزف بهم السعودية ودول الخليج، كما أنه أراد أن يتخلص من القادة العسكريين الذين كان يخشي من نفوذهم داخل الجيش وإمكانية انقلابهم عليه مثل اللواء علي محسن قائد الفرقة المدرعة الأولى الذي حاول أن يقضي عليه من خلال إغراقه مع فرقته في حرب لا تنتهي مع الحوثيين في صعدة وفي عام 2010 توقفت حروب علي عبدالله صالح ضد الحوثيين في صعدة، لكن الحوثيين لم يكونوا سوى في استراحة محارب يستعدون للمعركة الفاصلة فكانت هذه الفترة فترة إعادة بناء عسكري لهم ولقواتهم وللدعم الإيراني الذي كان يأتيهم عبر البحر فينقلون الأسلحة عبر الجبال إلى صعدة ورغم تقارير كثيرة نشرت في حينها حول هذا الأمر إلا أن الحوثيين تركوا يبنون قواتهم العسكرية دون أن يتعرضوا لأي مشاكل ولأن مناطقهم داخلية فقد كان من بين مطالبهم خلال الفترة الماضية أن يصبح ميناء الحديدة من المناطق التابعة لهم حتى يكون لهم ميناء بحري يتحكمون فيه ويسهل لهم عمليات الإمداد التي تأتيهم سواء من إيران أو من غيرها.. نكمل غداً.