لا تقلقوا كثيرا ،أحسُّ إنّ الأوضاع ستفرج قريبا، فهذه السُّحب المضبّبة للأجواء ، المعيقة للرؤية ، ليست جديدة علينا، فاليمن تعيش صراعات متواصلة لم تستقر بصورة كاملة أبدا في أقوى وأكثر مراحل الدولة استقرارا،ففي عهد الدولة السبئية والحميرية ، مثلا، خاضت صراعات شبه مستمرّة داخلية وخارجية،مع الأحباش، الأسكيمو، وغيرهم .وصولا إلى فترة الدولة الصلحية المزدهرة، التي استطاع ملوكها توحيد اليمن ،بل ووصل نفوذمملكتهم حتّى مكةالمكرمة والبحرين .وفي هذه الحقبة
لم تتوقف الصراعات ، فمؤسس الدولة الملك محمد بن علي الصليحي ظل في صراع دائم مع الأحباش من آل نجاح على تهامة وزبيد والشريط الساحلي، وقد تميّزذلك الصراع المتواصل بالكرّ والفرّ، النصر والخسارة، إلى أن تم الغدربالملك الصليحيى وقتله، هو ومئات الفرسان وغنيمة الأموال الطائلة التي كانت محمّلة مع القافلة الملكية المتّجهة لمكة لأداء فريضة الحج ،كما تم سبي النساء بمن فيهن زوجة الملك أسماء بنت شهاب أم المكرّم ، في منطقة المهجّم في تهامة على يد النجاحيين،وأُخذت الملكة إلى قصر سعيد الأحول في زبيد،إلى أن قام بتحريرها ابنها الملك المكرم وهزيمة الأحباش،وقد دخل هو الآخر في حروب وصراعات طاحنة مع آل نجاح في زبيد وعلى نفس المنوال سارت زوجته أروى بنت أحمد الصليحي تـ 538هـ التي امسكت بزمام الإمور وإدارة شؤن الدولة بعد اصابة زوجهاالملك، المكرّم بمرض الفالج خلال المعركة التي قادها لتحرير أمه ..
وبالإشارة إلى هذه الفترة ، فقد أُتّخذت خطوة ذكية جدا تمثّلت بنقل العاصمة التي كان يدور حولها الصراع عبر التاريخ ( صنعاء) إلى جبلة التي تم أتّخاذها مقرّا جديديا لعاصمة المملكة، ومنها تمت ادارة شؤن الدولة بكل حنكة واقتداروأريحية،كما أديرت منها الصراعات المتواصلة ،مع النجاحيين والثورات التي كانت تقوم ضد المملكة ما بين حين وآخر،وحتى مع حالات التمرُّد التي كان يقوم بها بعض الأمراء وقادة الجند.ومن ضمنهم ابن سبأ والزواحي اللذين دخلا بعد ذلك في صلح دائم وتعاهدوا على المضي قدما في حماية المملكة الصليحية والدولة وتثبيت أركانها ومحاربة العدو اللدود،( آل نجاح ) في زبيد ، الذين كانوا كلما هبط فصل الشتاء يهربون إلى الجبال والمرتفاعات المطلة على زبيد أو جزيرة دهلك . وأيام الصيف يعودون إلى زبيد حينما كانت الحرارة تشتد ولا يستطيع معها جنود الصليحيين على تحمّل درجة الحرارة العالية ،فيضطرون للعودة لجبال حراز المرتفعة،أوصنعاء وهكذا دواليك، ومع هذا صمدت الدولة الصليحية وظلت تقودها جبلة لعقود طويلة، ومثّلت علامة حضارية مضيئة في التاريخ اليمني.ولم تضعف المملكة إلا بعد مجيء نجيب الدولة من مصرووفاة الملكة أروى تـ 538هـ. وضعف وموت كبار وأهم القادة.
ما أودُّ أن أشيرَ إليه في هذا السياق هو أنه مهما أشتدّت الأوضاع وتزايدت حالة الاحتقان السياسي، فإن اليمن لن تعدم الحكماء واكتشاف الحلول للخروج من هذه الأزمة التي تفاقمت منذو حوالي شهر ، بعد التصعيد والمواقف الجديدة التي تبنتها جماعة " أنصار الله " حيثُ عمدت إلى استغلال جملة من الأسباب لتحقيق ، ما يعتبره الكثير من المراقبين، مكاسب سياسية على أرض الواقع ،رغم إنها، أي الجماعة، مُثّلت بمندوبين في مؤتمر الحوار الوطني استمروا يحضرون جلساته ، حتّى آخر جلسة .وقاموا - أيضا - بالتوقيع على مخرجاته ووثيقته النهائية .
لا أحد يستطيع أن ينكرالدورالسلبي للإعلام الذي يُمارس عملية تضليل واسعة وتهويل وتضخيم للأحداث والصراعات السياسية ، مساهما بصورة كبيرة في خلق حالة من الهلع والمخاوف بين الناس ، إلى جانب الدفع بإيجاد تحالفات مصالح جديدة وعملية سباق وهرولة من قِبل البعض لتسجيل مواقف وحجز مقاعد يعتقد إنها ستحقق مصالح ما، في مرحلة ما، بعد الجنون الأخير.
وبلاشكّ إن هناك أطرافاًتعتقد إن من مصلحتها أن تظلّ الأوضاع في البلد ساخنة على الدّوام ، لكن في الأول والأخير ، ستنجح اليمن وقيادتها في تجاوز هذه العثرات وستتخلص من هذه المخاوف والتحديات .
الخلاصة : إذا امعن معرقلو التسوية في غيّهم وتهديداتهم بخلق الفوضى وحالة من اللايقين في العاصمة صنعاء استثمارا لما تكتسبه من رمزية وحساسية كأي عاصمة بالدنيا ،ففي ظني إن خيار التعامل مع هذه الجزئية والإبتزازغير اللائق، متاح ويمكن القيام به وببساطة ،فالرئيس / عبدربه منصور هادي،يستطيع أن يصدر قرارا جمهوريا بنقل العاصمة الاتحادية للدولة من صنعاء لعدن أو المكلا أو سيؤن .وبذلك يكون قد قطع الطريق عن أولئك المسكونيين بالفوضى والفود يتقاذفون بحجار صنعاء يمارسون التهافت على جفرافيا غارقة في العطش .وقد لا يطول كثيرا موعد إعلانها أول مدينة جافة في العالم .