حتى اللحظة تبدُ الرؤية ضبابية جداً في صنعاء , رجال الدولة وقادة الجيش في حالة اللاوعي الذي انتجته صدمة سقوط العاصمة , كل مايمكن رصده من هنا او هناك من تصريحات لبعض الساسة لا يمكنها تلخيص الوضع العام , حتى قيادات جماعة الحوثي انفسهم لم يستوعبوا بعد ان عاصمة البلد صارت في قبضة مسلحيهم وان عليهم ان يكونوا على قدرِ عالٍ من المسؤولية والإنضباط في هذه المرحلة التي ستكون بمثابة إستفتاء شعبي يحدد مستقبل الجماعة .
في صنعاء مثلاً وخلال ساعات فقط كانت تحركات مسلحي الحوثي مصحوبة بأخطاء فادحة ولا تنبأ بخير , حتى ان دفع منظري الجماعة وإعلامييها بمبررات تتلائم مع طبيعة المتغيرات التي احُدثت على الأرض لم تُجدِ نفعاً , فعلى سبيل المثال كيف لمواطن بسيط بُح صوته وهو يصرخ مطالباً بسقوط الحكومة والغاء الجرعة وتنفيذ مخرجات الحوار ان يتقبل فكرة ان معسكرات جيشه وقيادته العامة تعرضت للنهب , انا اقول تقبل الفكرة وليس تصديقها حتى يدرك الأخوة في "انصار الله" بأن سقوطهم في فخ الأخطاء كان اسرع من سقوط صنعاء بأيديهم .
تحدث زعيم الحوثيين في خطاب يوم النصر عن الثورة التي حققت اهدافها واليد الممدوة للشراكة الوطنية والدولة العادلة , لكنه لم يتحدث عن الموعد الزمني لخروج مسلحيه من صنعاء وتسليم المعسكرات والمنشآت الحكومية ,او يخبرنا كيف ستقوم الدولة بواجباتها في حين ان لجانه الشعبيه هي من تقوم بمهام قوات الجيش والأمن . في هذه الحالة لا يمكن قيام دولة نهائياً , ما سيحدث هو عملية إستبادل لمشروع الدولة بمشروع الجماعة , وهذا اخطر ما يمكن حدوثه لأنه سيعيد اليمن إلى ما دون نقطة الصفر.
جماعة الحوثي عليها تعزيز حضور الدولة وليس الإنقضاض على ماتبقى منها , المرحلة لا تحتمل المزيد من المغامرات الغير محسوبة , صنعاء سقطت والإصلاح فضل الإنسحاب على المواجهة ومحسن غادر ليلاً دون ان تُعرف وجهته حتى اللحظة . لذلك الجماعة هي الحاكم الفعلي ووحدها من ستتحمل تبعات هذه المرحلة سواءً كانت ايجابية او سلبية .
مخاوفنا من القضاء على ماتبقى من الدولة مخاوف مشروعه وهي تعكس حقيقة الممارسات في الواقع , وحتى لا نصدر الأحكام جزافاً سننتظر مالذي ستحمله لنا الأيام والشهور القادمة في جُعبتها . الحوثيين حتى اللحظة ورغم بعض الأخطاء والتجاوزات لم يكونوا كم صورهم لنا خصومهم ونتمنى ان يظلوا كذلك وان لاينجروا إلى المربع الذي يريده لهم الآخر , هم يمثلون قوة لا يستهان بها والأجدى لهم تعزيزها بممارسة سياسة متزنة وهادئة وحكيمة تلغي الصورة النمطية التي رُوِجَ لها بأنهم يريدون الانقضاض على الدولة وعلى الجمهورية بالعنف وقوة السلاح .
اللجنة التي شكلها زعيم الحوثيين للتحقيق في اعمال النهب والإقتحامات التي ارتكبها مسلحيه , خطوة على الطريق الصحيح واللجنة بحسب مانشر عنها ستقوم بتقصي الحقائق حول وقائع الإقتحامات ونشر نتائجها للرأي العام , هناك ايضاً تحركات لبعض القيادات الشابة داخل الجماعة لوقف بعض التجاوزات تستحق الثناء , ومنها تحركات عضو المكتب السياسي لـ"انصار الله" علي البخيتي التي كانت تطفىء مخاوفنا كلما اشعلها مسلحي الجماعة بإقتحاماتهم وحصارهم للمنازل والمؤسسات , لدرجة ان صفحته على "الفيسبوك" والمنشورات التي يكتبها صارت بالنسبة الينا المصدر الذي يشعرنا بالأمان تجاه هذه الجماعة التي خاضت ستة حروب ضد الدولة في "صعدة" ووصل مسلحيها إلى العاصمة .
لم نكن نريد ان تتكرر مشاهد نهب المنتصرين لكل ماله علاقة بالدولة ومن ثَمَ إقناعنا بأن ذلك كان إقتضاءً مرحلياً ريثما تعود الدولة للقيام بمهامها , لكن بما ان ذلك قد حدث فعلاً فما علينا سوى ان نحاول قدر الإمكان تمدين مشروع هذه الجماعة وبقية الجماعات الأخرى , وهذا لن يتأتى مالم يكن هناك دولة قوية وعادلة ذات نفوذ قوي تكون هي الضامن الوحيد لكل اليمنيين .
في الأخير استشهد بنصيحه وجهها الزميل محمد عائش رئيس تحرير صحيفة "الأولى" في منشور "فيسبوكي" لأنصار الله بضرورة ان يحاصروا أخطاؤهم قبل أن تحاصرهم , وان يحمدوا الله ان اخطاؤهم في صنعاء لا يزال بالإمكان عدُّها وإحصاؤها ،قبل أن تتفاقم ويستعصي الخرق على الراقع.