وحجاج بيت الله الحرام يشرعون في تأدية مناسك الحج تجيش في نفسي كل عام مشاعر روحانية غامرة وحزن لتخلفي مكرها عن تلك الفريضة العظيمة التي يعود بعدها من وفقه الله لأدائها بإخلاص وإتباع لسنة المصطفى صلى الله علية وآله وصحبه وسلم مولودا جديدا يطوي صفحة العمر الماضي بكل ما فيه من آثام وزلات ويعود كصفحة جديدة ناصعة البياض..
قناعتي أن الحج ليس مجرد مناسك تؤدى بل مؤتمر إسلامي عالمي ولكن هذا المؤتمر الإسلامي لا يثمر على المستوى الجمعي للأمة فأي مؤتمر يصل عدد أعضائه إلى أكثر من ثلاثة ملايين عضو من النساء والرجال وأي مؤتمر في العالم قد أنعقد بهذا العدد والأجواء الروحانية والانسجام في الأداء والتوحد في المشاعر واللباس والحركة والمقصد ولا يخرج أعضائه بقرارات تؤثر في الأمة بشكل جمعي؟!!
ذلك هو السؤال الذي يبحث عن جواب فالحج ليس إسقاط فرض على الأفراد فحسب هو مؤتمر إسلامي كبير فيه من الدروس والعبر والأسرار العظيمة والدعوات المباشرة للوحدة الإسلامية والمساواة ونبذ الخلافات وتجاوزها فنحن أمة واحدة يلتقي في ركنها هذا الشامي والمغربي واليمني والحجازي والأفريقي والأسيوي والأمريكي والفارسي والأوربي والهندي تذوب الفوارق والجنسيات والألوان والطبقات والمناصب والاختلافات ويتوحد الجميع في لبسهم لقطعة قماش في موكب مهيب يذكر المرء بيوم الحشر والقيامة ويؤكد للجميع فناء الدنيا وتفاهتها وضعفها جعلت الملك يلبس لبس المملوك والغني يمشي مع الفقير ساوت بينهم في كل شيء لتظهر إحدى تجليات هذا الدين العظيم .
وقد كان الحج قبل قرون مؤتمرا إسلاميا عالميا يتجاوز في ثماره الجانب التعبدي للفرد إلى الأمة حيث يلتقي الحجاج من مختلف أنحاء العالم ويتدارسون قضايا الإسلام وهموم المسلمين وتبنى على هذه المناقشة قرارات تدعم قضاياهم فيعود الحاج وقد عرف واقع الإسلام وقضايا المسلمين في أمته وأحوال إخوانه أبناء الإسلام في شتى أصقع الأرض واتخذ موقفا من قضايا أمته وتغيرت قناعات خاطئة كانت لديه وصحح مفاهيمه المغلوطة فالحج منبرا لإيصال الرسائل الفكرية والدعوية والسياسية ولنقل الدعوات الإسلامية وكم عقدت من مؤتمرات دينية ودنيوية حضرها عشرات أو مئات ثم خرجت بقرارات وتوصيات ونتائج وثمار لمسها الناس في الواقع بينما المؤتمر الإسلامي العالمي لا يؤدي دوره المنشود في الأمة على الوجه الأكمل والمطلوب وذلك لأن السلطات السعودية رغم جهودها الكبيرة في خدمة حجاج بيت الله الحرام والتوسعات الضخمة لحرم المكي وشتى الجهود الجبارة التي تقوم بها المملكة وهي جهود مشكورة إلا أنها عطلت هذا المؤتمر عن أداء دوره في الأمة كما ينبغي واحتوت منبره ووجهته بما يخدم توجهاتها ويتناغم مع سياساتها للأسف الشديد .
خلاصة :
بالإضافة إلى ما ذكرنا الحج من جانب فكري هو رحلةً فكرية وروحيةً لتتحقق الحكمة الربانية والهدف المنشود من تشريعها وهو سمو النفس البشرية بكلا جناحيها الجسمي والروحي والمادي والمعنوي في سماء الفضيلة والكمال.