شخص يمتشق بندقيته فيخرج للنَّاس وكأنه علي حيرو زمانه.. فعلي حيرو هذا ذاع اسمه وصيته في عدن إبان الستينات؛ لكنه وعند مقارنة أفعاله إذاك بأفعال علي حيرو الضالعي في وقتنا الراهن فبكل تأكيد المقاربة صعبة وعصية فعلى الأقل الأول كان فعله يتمتع بشيء من الشهامة والشجاعة والإيثار وعلى عكس بطل قصتنا هذه الذي لا يتورع عن فعل كل ما هو مخجل ووقح ودنيء.
علي حيرو زمننا ليس شخصاً واحداً أو اثنين، بل جماعة ناشزة منحطة دنيئة ميتة الضمير والأخلاق والرجولة.. صبيان طائشة عدوانية ما فتأت تعيش بين ظهرانينا ووسط صمت رسمي ومجتمعي ونخبوي لا نعلم منتهاه، فبينما غالب الناس منشغلون في مشكلاتهم اليومية تسلل هؤلاء غيلة وبغتة إلى حياتنا.
ورويدا رويدا وأمام تخاذل ولا مبالاة ومداهنة البعض نمت وازدهرت ظاهرة التقطع والقتل والسرقة والتخريب، وبعيد بضعة أعوام فقط يكتشف الجميع بأن ما كان بالأمس سلوكا نشازا ومخجلا بات اليوم شيئا عاديا؛ بل ومشرفا.
في البدء كان الخطف فعلا غريبا وذميما؛ لكنه- وبمضي الوقت- أخذ ينضي عنه العيب والشهامة وبدأ ينتشر كظاهرة مجتمعية جاذبة ومغرية لكثير من البشر وخاصة بين الشباب المأزومين الذين وجدوا في الانحراف ضالتهم المنشودة كيما يحققوا ذواتهم المريضة السقيمة بعلل وعاهات عدة ناتجة عن طفولة بائسة محرومة مضطهدة, فضلا عن بيئة مجتمعية خاذلة قاسية أبت استيعابهم وإدماجهم ضمن نسيجها ونظامها.
يا الله ما هذه الوحشية؟ وما فعله إخوة يوسف بشقيقهم؟ لا.. أولاد يعقوب كانوا أرحم وألطف من هؤلاء الخاطفين الذين لم يكتفوا بسلب الرجل سلاحه وما في جيبه إذ قتلوه ومن ثم رموه في بئر وراحوا في سبيلهم ولكأن ما فعلوه شيئا تافهاً لا يستحق شفقة أو رحمة أو ندامة.
نعم.. كان القتل جرماً فظيعاً لا يحدث إلا نادراً واستثناء، فحادثة قتل واحدة كانت كافية لعشرة أعوام أسى وحداد.. البعض تجده يبرر الجريمة النكراء قائلاً: أكتبوا عن فظائع جيشنا الهمام بحق الأبرياء العزل الذين هلكوا وبلا رحمة أو شفقة أو حتى مواساة وعزاء.
فعلي حيرو إذا ما هاج وغضب اليوم حمل سلاحه وراح فاتحاً ليس للأندلس أو لبلاد الخزر وإنما لأغطية أنبوب الصرف الصحي ملقيا في فتحات المجرى قوالبه الصلبة المصممة خصيصا لسد الأنبوب المتواضع وتحويل مجراه من الأسفل إلى الأعلى أو لسرقة خزانات مياه أو كابل كهرباء أو اتصالات أو مداهمة مستشفى أو مكتب بريد وووالخ من الأعمال الخارقة.
علي حيرو اليوم إذا ما هاج وماج نصب كمينا أو نقطة في طريق كي ينهب ويسلب ويرهب. سيارته سرقة، قاته لطشه، بندقيته نهبة، فعله نكرة.. علي حيرو وقتنا لا يكترث بأخلاق المتحاربين أو يتحلى بشيم المقاومين، فمفردات من هذا القبيل ليس لها وجود في قاموسه وفعله المخجل المخزي.
الغدر لديه شجاعة، والقتل بطولة، والسلب بسالة، والسرقة وظيفة مشرفة، وإهانة الخلق وإذلالهم بسطوة الجبروت والعجرفة المسلحة كرامة وشهامة.. الحرابة كفاح، إخافة وترويع الآمنين والسالكين حظوة، قطع الكهرباء شهرة، رمي قنبلة أو إطلاق رصاص على مسكن بمثابة بطولة ومجد.
العجيب في ظاهرة علي حيرو أنه لم يكتف بما حققه من سطوة وحظوة, فمؤخرا وبعيد أن صارت أفعاله مستنكرة محتقرة مستهجنة كان لزاما عليه واتباعه أن يسلكوا دربا مغايرا يحفظ لهم بقاءهم وسطوتهم، فآخر ابتكاراته المدهشة نقطة وبرميل للجباية، وآخر نضالاته زعيما لعصابة قتل وخطف وسرقة وترويع ونهب.
نعم.. فعلي حيرو ليس لديه مشكلة في أن يتحالف مع الشيطان؛ فكيف إذا ما كان هذا الشيطان يشاطره الآن جرائمه المنكرة في بشاعتها وتوحشها؟ وماذا يعني له في حال تركه أبريتا للفنان الجميل عبود خواجة مقابل ظفره بأناشيد "الملاحم" و"البشائر" المعروفتين بتبعيتهما للقاعدة وداعش وأنصار الشريعة وسواها من الجماعات الإرهابية.