لقد ظل صالح يمارس العناد طول فترة حكمه والتي تجاوزت الثلاثة عقود ،وظل يستخدم سياسات الخداع والمراوغة واتباع سياسة حافة الهاوية معتمدآ على إمكانيات السلطة وشبكة المصالح التي نسجها طوال تلك الفترة الطويلة التي قضاها جاثمآ ومتشبثآ بكرسي الرئاسة .
والمصيبة إنه كان يظن إنه قد حقق أنتصارات لم يسبقه إليها أحد ،بينما نسي أو تناسى حقيقة إنه لا وجه للمقارنة بين إمكانات سلطة ونفوذ وبين منافسين آخرين يفتقرون لأبسط مقومات خوض المنافسة ..نسي ان التنافس الحقيقي لا بد ان تكون له معايير محددة تتوافر لدى الأطراف المتنافسة على حد سواء،فإذا انعدم مثلآ شرط تكافئ الفرص بين كل طرف من أطراف التنافس أختلت معادلة الصراع ،بل المنافسة الشريفة من أجل قيادة الوطن نحو البناء والرقي والتطوير والنماء والتقدم والازدهار .
وعندما اقتنع -بل تخلى مكرهآ -بترك كرسي الرئاسة ،وسوست له نفسه الامارة بالسوء ، وبسبب إرثه السابق الذي أكتسبه من خلال تشبثه بالسلطة وشهوة اعتلاء كرسي الحكم سولت له تلك النفس الامارة ان يتحايل مستخدمآ كل ما يملك جاه ومال ونفوذ وعلاقات من أجل إيهام الناس والعالم أجمع بأن الحصانة التي هبطت عليه بقدرة قادر ارتبطت فقط بتنازله عن الرئاسة ،ولم يدرك ان تلك الحصانة تعني وجوب مغادرته كليآ للمشهد السياسي برمته ...هكذا هو العرف القانوني والدولي المتعارف عليه في كل بقاع المعمورة ،لكنه تمادى في عناده واستمر في تحديه لمواجهة أي وفاق أو إجماع من شأنه تطبيع الأوضاع وانتشال البلد من أزمتها حتى أوشك على تقسيم المؤتمر ، بل وقد يضع المؤتمر الخاضع له كأحد معرقلي التسوية والمخرجات .
تحالف صالح والحوثي أعداء الأمس أصدقاء اليوم لم يعد خافيآ على أحد ، وتبادل الأدوار واضح وجلي بين الأثنين .
خطوة صالح الاخيرة واللجنة العامة التابعة له، والتي أتخذ فيها قرار التجميد لعضوية الرئيس هادي والارياني والعليمي وغانم وبن دغر خطوة تصعيد وتهديد في غير )محلها(
،أماشرعية هادي فقد تجاوزت المؤتمر وأصبحت شرعية شعبية ومن أعضاء الحوار جميعآ ومن دول الإقليم ومجلس الأمن ،وعلى صالح ولجنته الخاصة وليس العامة أن تفهم ذلك جيدآ ،فهم الآن يضعون وبغباء مؤتمرهم الصالحي كمعرقل وصانع أزمات شاءوا أم أبوا ،وأما المؤتمريون الذين لا يعيشون في جلباب صالح فهم من يضعون مصلحة حزب المؤتمر هي الأساس ، ولا يرون مشكلة في تجاوز مرحلة صالح على اعتبار ان ديمومة الحياة السياسية لا تتوقف عن نقطة ما بتقاعد صالح سياسيآ تنفيذآ لمقتضيات الحصانة .
تلك الهامات العالية التي تحلق في سماء الوطن وفضاءاته الرحبة ، والتي طالها طيش صالح ولجنته العامة الخاصة ترمز للعزة والشموخ والسمو فوق الصغائر والنزعات الأنانية والمناطقية الضيقة التي لا يرى دعاتها مصلحة الشعب والوطن إلا بنظاراتهم السوداء القاتمة والمظلمة.
تلك الهامات العالية التي تعرضت للإقصاء والتجميد من قبل لصوص اللجنة الخاصة للرئيس الغاصب للمؤتمر .. تلك الهامات الكبيرة التي انحازت للوطن والشعب ،ومعها الآف المؤتمريين هم خير من فهموا مقتضيات الحصانة أكثر من غيرهم وهم خير من يقتدى بهم في ممارسة العمل التنظيمي الهادف للتغيير الإيجابي في الواقع المكبل بقيود الجهل والتخلف والتعصب الأعمى وصنمية الأفراد ..ومع كل ما يحدث من تجاوزات وتقاعس وركوب على ظهور بسطاء الناس ومع كل ما يحدث من ارهاصات للثورات واحتوائها ومحاولات إجهاضها لا بد ان يأتي يوم تنتصر فيه إرادة هذا الشعب وقياداته التي تنقش تاريخ اليمن وحضارتها بأحرف من نور ولا بد ان تزول قوى الظلم والطغيان وجبابرة الموت والقتل والدمار وأعداء الحياة الإنسانية جمعاء ليس في اليمن من اقصاها إلى اقصاها ،بل في كل أرجاء العالم والله من وراء القصد .