عملت قوى دولية رعناء على تجيير الأحداث والمتغيرات في الجنوب الذي وقف على قدميه وأعلن للعالم أنه صاحب قضية محورها الأرض والإنسان.. الأرض المنهوبة والإنسان المقصي، والمتابع لتقرير الحراك الجنوبي السلمي حول جذور القضية الجنوبية الذي نشرته “الأيام” في (51) حلقة، سيعلم بمدى فداحة المؤامرة التي نفذها عرابدة حاشد وسنحان (الأقوياء حتى اليوم والمتوارون بحسب الدور المحدد لهم في السيناريو الخارجي الجاري حاليا) بحق الجنوب أرضا وشعباً، وهي كافية لهذا الشعب أن يعود أدراجه بعد أن فقد دولته في 7 يوليو 1994 السيئ الصيت الذي أنهى ما سمي بدولة الوحدة التي أنهيت بالحرب الظالمة.
انتصار شعب الجنوب (العربي) في تحقيق مراكز متقدمة يوما عن يوم، جعل العالم يقتنع بعدالة قضيته خلال الأعوام 2007 - 2010، ولأن رجل حاشد وسنحان علي عبدالله صالح لايزال مرغوبا فيه عند دوائر معينة في الولايات المتحدة الأمريكية، وبالتعبير الإنجليزي أن الرجل لايزال في كشف الأجور (ON The PAY Roll)، عمل الجهازان الاستخباريان الـ(CIA) والموساد على ترتيب سيناريو متعدد المراحل ومتنوع المناخات (صيف + شتاء + ربيع + خريف)، وكانت المرحلة الأولى ما سميت بثورة 11 فبراير 2011 وبدأت بشعار “ارحل يا علي عبدالله” وانتهت بشعار “ارحل يا علي محسن” الذي توارى بحكم السيناريو مع أولاد الأحمر، وفجأة ظهر الحوثيون على الساحة وانتقلت ما تسمى بثورة أنصار الله من صعدة إلى عمران إلى أمانة العاصمة وتهاوى أمام الحوثيين كل شيء: أجهزة الأمن والدفاع والدواوين الحكومية وحتى البنك المركزي.
اقتضى السيناريو أن يكون الحوثي ملكا غير متوج على ما يشاء ويقرر ما يشاء ويلغي ما يشاء ويقذف من يشاء، وجعل من رئيس الجمهورية أبرز مثل على إملاء ما يريد، فألغى الجرعة وألغى قرار تكليف بن مبارك الذي تعرض لحملة سفه وابتزاز ما أنزل الله بها من سلطان، وانتقل التسفيه من بن مبارك إلى الرئيس هادي نفسه الذي وصفه عبدالملك الحوثي بأنه دمية، والذي قال إن هادي كان ممتثلاً لهم بعدم تعيين بن مبارك، والطرف الآخر يقول إن الحوثي قبل بالترشيح إلا أن طهران رفضت بحجة أن بن مبارك خريج العراق.
السيناريو يقتضي أن يقول الحوثي ما يريد وأن يهدد ويتوعد، وخلق انطباعا لدى العامة والخاصة بأن هادي الرئيس الإسمي وأن الحوثي الرئيس الفعلي، وكل ما في الأمر أن علي عبدالله بحكم الدور المسنود له وبحكم القوة الضاربة التي يملكها هو الذي يعيث فسادا ويشيع الرعب والتقتيل والفوضى الخلاقة التي هدد بها وهو في كرسي الرئاسة وكل تصريحاته المسموعة والمرئية والمقروءة موثقة.
هناك أدوار يلعبها هذا وذاك، وإلا بأية صفة يطرح أو يقترح عبدالملك الحوثي على القيادات الجنوبية في الخارج القدوم إلى صنعاء؟!. دعوة عبدالملك تثير ألف شبهة وشبهة لأن أي جنوبي أصبح محروقاً في صنعاء وعرضة للهجوم والتلفظ بألفاظ نابية، وكان الرئيس هادي نفسه وبن مبارك والوزيرة حورية مشهور في فوهة النظام العنصري، فصالح والحوثي يهاجمان الرئيس هادي.
هناك موجة كراهية في صنعاء طالت كل جنوبي، ودعوة السيد عبدالملك للقيادات الجنوبية إلى صنعاء لا أراها إلا دعوة إلى مذبحة القلعة التي نفذها محمد علي باشا (1769 - 1849) في المماليك عندما دعاهم إلى القلعة بحجة التشاور لتسيير حملة إلى الجزيرة العربية للقضاء على الوهابية، بناء على دعوة الباب العالي في الأستانة حاضرة السلطنة العثمانية، وبعد حضور زعماء المماليك أغلق محمد علي باشا الأبواب خلفهم وأمر جنده بتنفيذ المذبحة المشهورة في الفاتح من مارس 1811، إلا أن عددا منهم تمكن من القفز من الأسوار ليمتطوا ظهور خيولهم ويستقر بهم المقام في صعيد مصر.
صدقني يا سيد عبدالملك لن يحضر قيادي جنوبي واحد إلى صنعاء لقناعته بأنه سيقتل هناك، ولأنه على قناعة بأن الشمال شمال والجنوب جنوب، ولا بد من جنوب فيدرالي جديد لا يكرر تجربة جنوب نوفمبر 1967م.