كل هذا الدم النازف وكل هذه القرابين المهرقة لا صلة لها مطلقاً بالدين أو الوطن أو الثورة أو الوحدة أو النظام، فمن يقول إن الحرب المستعرة بين أنصار الشريعة وأنصار الله هي معركة مقدسة ومشرفة, فهو إنسان مختل وجاهل أو انه كاذب ومضلل كبير.
إنها حرب لعينة شيطانية وقودها البُسَطاء والجُهَلاء وأحياناً ونادراً شياطين القوم، حرب همجية عصبية لا علاقة لها بدينِ سماء أو شِرعة حياة.
السؤال الوجيه والواقعي هو: أين جيشنا الجرَّار صاحب الرقم القياسي في ضباطه وجنوده وعتاده؟! وأين رجال أمننا البواسل الذين عرفناهم زمناً لا تخفى عنهم خافية خاصةً إذا ما تعلق الأمر بزعيم البلاد؟.
المؤكد سيقول بعضكم بأن الرئيس السابق لم يُقِم دولة وجيشاً وطنياً يمكن لخلفه استخدامه وفي ظرفية صعبة وحرجة كهذه المحدقة بشعب ووطن ودولة ونظام. البعض الآخر سيرجع هذا الاحتراب إلى فقدان الأهلية والسيطرة هذه القوات المتناثرة المبعثرة قوة وولاءً وقدرة ووجوداً وواقعاً.. وهكذا تجدنا في المعظم تائهين وحائرين وقلقين وأيضا متسائلين عن جيش وأمن البلاد الغائبين الحاضرين.
شخصياً أشعر بالعار والخجل حيال الأوضاع المخيفة المفزعة القاصمة لمجتمعنا الذي لم يعد بوسعه احتمال كل هذا العبث المنهك المهدر لفرصه في الاستقرار والتنمية والحياة الآمنة الكريمة.
نعم ما صدَّقنا بانتهاء مؤتمر الحوار وإعلان مضامينه المؤسسة لدولة يمنية حديثة حتى اطل علينا الحوثي كثائر مناهض - هذه المرة بالذات - للجرعة وللفساد وإذا بنا وبدلاً من مطالبتنا بنزع سلاح مليشيات القبائل والجماعات المذهبية ورموز النظام السابق نشاهد هذه المليشيات ذاتها وهي ناهبة نازعة لسلاح جيش وأمن الدولة.
وإذا بالزعيم السيد يغدقنا يومياً وأسبوعياً بأخباره وخطبه السمجة المقرفة، كماً ويوماً عن يوم يجرنا إلى معاركه التي لا تنتهي عند حدود إسقاط الحكومة وفرض منطق القوي المنتصر؛ فبعد أن كنا ننتظر منه مغادرة العاصمة صنعاء بناءً واتفاق السلم والشراكة, ها نحن نراه وجماعته وقد تمددوا وتوسعوا إلى ذمار وإب والبيضاء ومأرب والحديدة..
لو احد مثلي أعد جماعة الحوثي أخف وطأة وشر من جماعات الإرهاب، فلا مقارنة بين جماعة انصار الله وجماعة انصار الشريعة، ومع رأيي الشخصي الذي قد لا يعجب البعض, أجد في المعركة الدائرة الآن معركة ثأرية انتقامية عمرها أربعة عشر قرناً.
على هذا الأساس ينبغي لجماعة الحوثي ألَّا تؤول إلى جماعة خاطفة مهيمنة على الدولة وسلطانها ونفوذها وإلَّا كان مؤلها الخسران الكبير، وبالمقابل أدعو اليمنيين لأن يفهموا ويدركوا بان أياً من الفكرتين المتناحرتين اليوم لا تؤسسا لدولة ونظام ومواطنة وعدالة اجتماعية وحرية وتنمية ونهضة ورفاهية ، بل وعلى العكس, فالاثنتان معاً بمثابة هزيمة للتحضر والحداثة والديمقراطية والجمهورية وسواها من مفردات العصر الراهن الذي لا متسع فيه أو قبول لفكرة الدولة الدينية الكهنوتية المذهبية الطائفية القومية العنصرية السلالية .
تغريدة خبيثة:
احد الخبثاء أرسل لي بنكتة شائعة بين المعتصمين في ساحة خور مكسر بعدن، تقول النكتة" بان احدهم سأل صاحبه عن الوضع في اليمن. فأجابه قائلاً: الوضع في اليمن مثل صلاة الجمعة في السجن المركزي، فالخطيب قاتل والمؤذن قاطع طريق والمصلين لصوص".. بالطبع ليس كل سجين يكون قاتلاً أو سارقاً؛ لكننا مع ذلك أوردنا النكتة هنا كتعبير صارخ ودال لماهية الصورة السلبية المقرفة المأخوذة عن الحالة الراهنة في البلاد.