كان الحلم ولا يزال ببناء الدولة المدنية القائمة على مبدأ المساواة والتعايش المشترك يراود اليمنيين منذ عقود وعلى مدى الثورة اليمنية ولطالما صدحت به أصوات اليمنيين من ساحات وميادين الثورة في مختلف المحافظات والمدن اليمنية إلا أن هذا الحلم حتى اللحظة لم يجد الفرصة السانحة التي يتحقق فيها واقعا ملموسا يشعر المواطن حينها بدولة تمثل إرادة الشعب لا إرادة الحاكم ويجد فيها الضامن لحقوقه والمرجعية التي يلجأ إليها عندما تنتهك حقوقه وكرامته, الدولة التي يسود فيها الأمن ويطبق القانون ولا يعرف فيها المواطن بماله أو مكانته الاجتماعية أو سلطته بل يعرف على أنه مواطن له حقوق وعليه واجبات .فتلك المفاهيم للدولة المدنية هي التي يبحث عنها المواطن اليمني الذي عانى لفترات طويلة من حكم المركزية والتفرد بالسلطة والثروة وجُرد فيها من أبسط حقوق المواطنة,وبعدما استطاع الشعب أن يتمرد على خوفه في عام 2011م ويخرج عن صمته ليعلنها مدوية بأن الشعب تحمل ما لم تتحمله شعوب العالم وآن الوقت لأن يقول كلمته التي اختصرها في عبارة واحدة " الشعب يريد بناء يمن جديد" وكانت هي بوابة العبور إلى مرحلة جديدة تحاور فيها اليمنيون وطرحوا أفكارهم وقضاياهم تباينت الآراء لديهم واتفقت ولكن في النهاية خرجوا برؤية واحدة تعبر عن حلم الشعب اليمني وتطلعاته في العمل على إرساء دعائم الدولة المدنية الحديثة واختيار النظام الفيدرالي شكلا لنظام الحكم في الفترة القادمة باعتباره نموذجا فريدا يكفل توزيع السلطة والثروة بين أبناء اليمن جميعا لكن أعداء المدنية يرونها كابوسا مزعجا بالنسبة لهم ستبدد مشاريعهم الظلامية في الحرص على بقاء اليمن حبيسا لسياسات القوى المتنفذة والمتسلطة وأسيرا لحكم العقول الشائخة, ولهذا فالطريق إلى الدولة المدنية يكثر فيها المتربصون وتحوطه المهددات التي تقف حائلا في المضي نحو طريق بناء الدولة وكل مهدد منها كفيل ببعثرة ذلك الحلم وذهابه أدراج الرياح و لعل أبرزها هي المهددات الأمنية المتمثلة اليوم في توسع الجماعات المسلحة وزيادة نشاطها على الأرض ونعني بتلك الجماعات تحديدا جماعة الحوثي وتنظيم القاعدة اللذان يشكلان اليوم المهدد الرئيسي والخطير على أمن ومستقبل الدولة اليمنية وبما يحملانه من أفكارا متطرفة يحاولون فرضها بمنطق القوة تصطدم وتتعارض مع فكرة المدنية والحداثة وتشكل تلك الجماعات المسلحة التي لا تؤمن بالعمل السياسي أبرز التحديات والمخاطر التي يمكن أن تواجه أي نظام فيدرالي, أضف إلى ذلك شبح الانفصال الذي لازال يحوم في الأفق ونشاط الحراك الجنوبي المتزايد الذي يحدث يوما بعد آخر تصدعات في جسد الوحدة اليمنية . ومن جهة أخرى يظل ضعف الأداء السياسي وتردي الأوضاع الاقتصادية مهددا آخر أمام بناء الدولة إذ أن نجاح النموذج الفيدرالي في اليمن يحتاج إلى بنية اقتصادية قوية قادرة على تمويله ودعمه.
ووسط تلك المهددات التي تحاول أن تعصف بأحلام اليمنيين ومستقبل بلد كان يسمى ذات يوم ببلاد السعيدة قبل أن تُسرق سعادته منه على أيدي لصوص الوطن تبقى الحكمة اليمانية التي أصبحت الضالة التي يبحث عنها اليمنيون اليوم هي القادرة على تحويل الحُلم إلى حقيقة والانتقال إلى الدولة المدنية العادلة بكافة مضامينها. ويعد الإعلان عن تشكيل الحكومة الجديدة والاتفاق على تسمية أعضائها بعد أن استغرق الأمر وقتا طويلا وأخذ جدلا واسعا هو بحد ذاته خطوة هامة نحو بناء الدولة ووضع أولى لبناتها