تعودت بعض الأحزاب اليمنية على تكرار نفس سلوكياتها وممارستها السياسية مع أي تحول أو حدث سياسي أو استحقاق وطني قادم، دون الاستفادة والاتعاظ من دروس الماضي، ويتصور البعض أن لجوء قيادات تلك الأحزاب لتوظيف ورقة "الشارع" أو ممارستها اساليب ألتضليل للرأي العام، كسلاح للدفاع عن افعالهم المدانة دولياً ، أنه دهاء وحكمة سياسية، دون تكليف أنفسهم بالسؤال عن الدافع الحقيقي لتهييجهم الشارع بدلاً من اتخاذهم أية مواقف صائبة لتجنيب الوطن تبعات ممارساتهم ، بل يستمرون في مغالطة أنفسهم بدفاعهم عن الجلاد وتصويره امام الجميع "ملاك" ليحولوا انفسهم بذلك إلى ضحايا لأخطائه بسبب لايمانهم الاعمى بصواب تبعيتهم للفرد ليدفعوا الثمن مرتين الأولى وقوع نتائجها عليهم باعتبارهم جزء من الشعب ، والثانية بدفاعهم عن مرتكبها.
معظم أحزابنا اليمنية لازالت هشه غير مؤسسية، لم ترق إلى البناء الحزبي المؤسسي المتعارف عليه، لعدة عوامل ابرزها انها مورثة من الانظمة الشمولية و لا تستطيع التحرر من التبعية والهيمنة الفردية ، لهذا يتحول معظم المنخرطين فيها إلى ضحايا يدفعون حياتهم احياناً ثمناً لبقاء هذا الارث ولمواقفهم المبنية على التضليل وعبادة الفرد اي " شيالين " الخطايا بالنيابة عنهم التي قد تتعدى السياسية في بلادنا.
عاد مؤخراً (المؤتمر الشعبي العام) احد ابرز تلك الأحزاب اليمنية إلى ممارسة هذا السلوك السياسي البالي والفاضح عن إفلاسه سياسياً، الذي كنا نعتقد انه تخلص منه، كما تخلص منه بعض الاحزاب التي اكتوى اعضاؤها بنيرانه، عاد هذه المرة ليس لابتزاز المجتمع اليمني والأحزاب الصغيرة وتضليل الشارع لتصفير عداد الرئاسة وتفصيل الدستور كم فعل في المرات السابقة ، وإنما لأهداف خفيه تخدم "صالح" منها تحدي الارادة اليمنية والدولية ومحاولة ابتزاز الداخل والخارج، بل ومواجهة الكل بحزبه.
للأسف ينساق البعض خلفه كالبهائم التي تجهل ان من يجرها يسعى لذبحها بإشراكهم في تنفيذ اهدافه لعرقلة جهود الأخ عبدربه منصور هادي رئيس الجمهورية الرامية لتحقيق الاستقرار وإخراج البلد من ازماته، وليثبتوا بما يفعلون ان كيانهم ايضاً معرقلاً للعملية السياسية في اليمن، لأنهم لم يتعلموا بعد من الماضي ومن تجارب الآخرين ولم يدركوا معنى التضحية في سبيل الشعب الوطن كتضحية الرئيس علي ناصر محمد الذي بادر بنفسه عندما طرح الرفاق شرط خروجه من اليمن في 1990م لتحقيق الوحدة الذي استطاع بتضحيته تجسد معانيها وقيمّها الانسانية حتى لا يكون عائقاً امام تحقيق حلم اليمنيين، كما صور بقائه البعض ، رغم أنه لا يمثل أي خطر على وحدة اليمن التي ولدت غير مكتملة الأركان والشروط وأثبتت فيما بعد هشاشتها في وقت لا يزال فيه علي ناصر خارج البلد.
يختلف الوضع اليوم في اليمن بعد صدور اقرار مجلس الأمن (2140) وما تلته من تطورات عن ما كان في 2006م، حين وقف صالح ضد إرادة اليمنيين ونصائحهم بعدم ترشحه للانتخابات الرئاسية في 2006م واستمر في مغالطة وتضليل الداخل والخارج بنفس الاداة التي يستخدمها اليوم "ورقة الشارع " واستطاع ان ينال ما يريد، لكنه لم يجنب الشعب نتائج تضليله وخداعه للشعب. فماذا الضير لو أنه أخذ حينها بالنصائح واستفاد من تجارب رؤساء يلهثون بعد كرسي السلطة مثل الرئيس الروسي بوتين ، لجنب البلد الانزلاق في الربيع العربي، وعاد إلى السلطة من بوابة حزبه وإرساء بذلك مبدءا التداول السلمي للسلطة في اليمن ، اليوم يعيد نفس المشهد ، فهل يستطيع أيضاً الوقوف أمام الإرادة الدولية؟! .. أم أن ما يحدث مقدمات للامتثال الطوعي لها لكن على طريقته ومن بوابة الوهم والرفض الشعبي والبقاء في اليمن الذي لا يعارضه المجتمع الدولي.
يبدو ان لجوءه إلى استهداف قيادات حزبه وبصورة انتقامية الأخ عبدربه منصور هادي رئيس الجمهورية ومستشاره عبدالكريم الارياني، هي آخر الاوراق التي يملكها لعرقلة مراحل التسوية السياسية في اليمن وجر حزبه الى مستنقع المواجهة الخاسرة، وقد يدفع به للانضمام معه في قائمة المعرقلين، أو سيؤدي به الى التفكك والتشظي، اذا ما تدارك بقية قياداته الوضع لإنقاذه من الوقوع في هذا المستنقع والاستفادة من الحدث وتحويله الى هزه لنقله الى طور حزب مؤسسي مع ان ذلك يتطلب التضحية والتخلي عن سلوك الفيد والمصالح التي تُطغى على معظم قياداته.
لا اريد استبق الأحداث لكن ما اراه يلوح في الأفق ان السحر سيتغلب على الساحر وستؤكد لنا الوقائع ان النتائج جاءت على عكس ما يسعى صالح للوصول اليه ومن المرجح ان تصب في مصلحة الرئيس هادي ليتخلص من اعباء وسيئات هذا (التجمع القبلي) الذي يقف عائقاً امام جهوده الرامية لتثبيت الأمن والاستقرار في اليمن، فضلاً عن انها ستصب في خدمة القضية الجنوبية بالنظر إلى ان التفكك الحزبي للمنظومة السياسية في اليمن هو مقدمة للدفع بفك الارتباط الاداري لدولة الوحدة وتحللها ، وسيؤدي بالجنوب تدريجياً إلى فك ارتباطه بالشمال. وستثبت المفاجآت القادمة ان المواجهة مع الشعب اليمني والرئيس هادي والمجتمع الدولي ليست كتلك التي استطاع كسبها في 2006م حتى وان تشابهت في ادواتها إلا انها مواجهة خاسرة .