في صبيحة الخامس من ديسمبر من العام 2013 أستيقظ اليمنيون على جريمة إرهابية ادمت اليمن كُلّها وابكت الإنسانية جمعاء ، تلك هي جريمة اقتحام مستشفى مجمّع الدفاع في العُرضي بالعاصمة صنعاء والذي ازهق من خلاله الإرهابيون، وبطريقة وحشية، أرواح حوالي (60) شخصاً وجرحوا أكثر من (150) من الرجال والنساء جُلّهم من المدنيين ما بين ،أطباء ومواطنين ومرضى وزائرين ومراجعين، سُفِكت دماؤهم البريئة في أقسام وطواريد وحتّى دورات المياه في ذلك المبنى المنكوب الذي كان مسرحاً لواحدة من أبشع جرائم العصروأكثرها وحشية وقساوة على الاطلاق .
لقد حذّرتنا تلك الجريمة بالصّوت العالي وبالصورة الحيّة من إن شهية الإرهابيين المتجرّدين من كل شيء ينتمي للبشرية قد صارت مفتوحة أكثرللدماء وإنهم لن يترددوا لحظة في ذبح حياة اليمنيين في أي مرحلة عمرية كانوا وفي أي مكان وتحت أي وضعية وُجِدوا وفي أي مجال يعملون ، وربّما هذا كان وحده كافياً لنا ، سواء نُخب سياسية ،أوقطاعات مجتمعية ، لدفعنا في مواجهته وتحفيز الجميع للاستجابة الواعية لإيقافه والعمل على إيجاد شروط ردع مناسبة له ، يمكن لنا عبرها تحصين بلادنا منه ومن كل أصحاب ثقافة وفكر القتل والضُّعف والاضمحلال .
بنفس القدر الذي كُنّا نتمنّى أن يتوحّد فيه الجميع تحت راية الدفاع عن اليمن من سموم الإرهاب وسيوف التفرُقة ، كُنّا نتمنى - أيضا - أن تأتي الذكرى الأولى لتلك الجريمة وجميع القوى السياسية الفاعلة ( المؤتمر - الإصلاح - أنصار الله - الاشتراكي - الناصري - الحق - البعث - رابطة أبناء اليمن ) وغيرها ومعهم الجانب الحكومي في ساحة المجمّع المغدور يعقدون مؤتمراً صحفياً ، يعلنون لنا فيه أهم الأرقام والنتائج التي تحقّقت وتم الرد بموجبها على القتلة ، وكيف تمّ القضاء عليهم ومحاصرتهم في كهوف نائية جداً لم تعد تُمثّل تهديداً لحياتنا ، إلى جانب ذِكر أسماء المئات من العناصر المقبوض عليها منهم،والتي تخضع للمحاكمات العادلة ، مع اضافة معلومة هامة، و ( لم ولن يفرّ أحد منها من داخل زنزانات السجون ) ، لكن الذي حصل ، ربما هو العكس ، الإرهاب اليوم توسّع أكثر وقتل وخطف المزيد من أبناء الشعب اليمني في عدّة أماكن، وإن كان ولابد من إنصاف ، في هذا الشأن ،فهو الاشادة بالعمليات العسكرية البطولية التي قامت بها وحدات من الجيش والأمن واللجان الشعبية في شبوة وأبين والبيضاء ورداع وحضرموت وغيرها ،والتي حفظت ماء الوجه واعادت لنا قليلاً من الأمل ولمؤسسات الدولة والشعب قليلاً من الاعتبار،لكن هذا ، في الواقع ، يظلّ غير كافٍ .
وكُنّا نتمنى - أيضا - أن تأتي هذه الذكرى وقد رصدنا وما نزال نرصد ، الاستجابات المتعدّدة والنتائج المفرحة والمشرّفة لدحر الإرهاب وتحويل الإدانات والتنظيرات والخطابات إلى ممارسات ملموسة تتحدّث عنها .
وكنا نتمنى أن تأتي هذه الذكرى الأليمة وقد أنتقمنا للمغدورين في مجمع الدفاع وميدان السبعين والسجن المركزي وجبل رأس وحوطة حضرموت وأبين وغيرها ، وأعلنا جميعا ، أحزاباً وكتلاً وطنية ومجتمع مدني ومثقفين وأكاديميين وكتّاب ، الدخول أفواجاً في معركة الوفاء العادلة والواجبة لمواجهة أولئك النفر المشوه من الإرهابيين الساعين لتذويب الوطن وتفكيك أوصاله ومسخ عقيدته وهويته .
أستطيع أجزم أن بإمكاننا قهر يأسنا وبعده قهر عناصر الشرّ، لكن شريطة أن نؤمن ببعضنا وبقضيتنا ومصلحتنا الوطنية وبضرورة بناء دولتنا وحمايتها .وإعادة تشكُّلنا في فضائنا الاجتماعي والقيمي والأخلاقي والوطني والسياسي والديمقراطي والتنموي والتاريخي الواسع ، بعيداً عن عُقد الماضي والهويات الفرعية والأيديولوجية والمذهبية والقبلية التي تجبرنا على الوقوف فوق اطلال ورماد سردياتها وأساطيرها الجامدة .
لقد آن الأوان لمواجهة ذاتيتنا وعُقدنا وحساسياتنا المفرطة تجاه بعضنا ،والبدء بمهمة الدفاع عن حياتنا وإنسانيتنا وحقوقنا في العيش ، وآن الأوان - أيضا - لترك معاول الهدم ومحاولات تركيع ونفي وإذلال بعضنا البعض..
علينا بمختلف مسمياتنا ومشاربنا الفكرية أن نتحد في وجه الإرهاب والفساد ، ونتشكّل من جديد في أوعية قيمية ومنظومات عمل وإنتاج وإبداع وحوار وتعبيرجديدة تُعبّر في مجملها عن مصالحنا الوطنية ومستقبلنا من دون أي حسابات عن الربح والخسارة ، سواء الشخصية ، ام الحزبية التي تزيد من غربتنا وتكسير سيقاننا وأساسات وأركان ثوابتنا وبيتنا هذا الكبيروالجميل الذي اسمه اليمن