البيض ... عملت ، أصبت وأخطأت .. لأنك بشر

2014/12/09 الساعة 10:33 مساءً

لازلت أتذكر الرجل الذي كان يشير لنا إلى الدولاب الذي حمله (علي سالم البيض) على ظهره صبيحة ذاك اليوم ، لكي يضعه حماية خلف باب المكتب التي انطلقت منه شرارة أحداث يناير 86م، كان يشير بدهشة إلى الحجم الكبير للدولاب الحديدي ،والقدرة الفائقة للرجل لنقله بمفرده من غرفة مجاورة ، عموما في المواقف الاستثنائية الصعبة تبرز قوة إضافية إلى السطح كما يقول علم النفس ... لا اعرف كم من المرات احتاج (البيض ) لمثل هذه القوة لتجاوز منعطفات حادة مرت بمسيرة حياته السياسية . كل ما نعرفه إن (الغصة) كانت بحجم الكارثة وهو يرى حلمه وحلم رفاقه واليمنيين جميعا يتهاوى شيئا فشيئا وفي السنوات الأولى من الوحدة ،وقبل أن يجف حبر التوقيع وتتلاشى صدى كلمات (الغزل )، حينما أدرك إن الحلم الذي كان الأمل المنشود والهدف الرئيس في الجنوب ، لن يتحول إلى واقع ببساطة كما كان يظن ويأمل . من إحدى خطبه بعد الوحدة بعام تقريبا يقول (كلما حاولت أن اطرح قضية للرئيس ويقصد (علي صالح ) كان يرد بكلمة واحدة (مَعْ) ..) كانت تختصر المشهد وتؤسس لحقبة لوأد الحلم . كان يقولها بحسرة وألم ومعها كانت أركان الدولة التي رسمها في مخيلته قد بدأت بالانهيار حجرا حجر . لم يستطع طقس صنعاء البارد حينئذ أن يطيل ( نومة العسل) أكثر من ذلك ،الوجوه سرعان انكشفت و أضحت الحسرة جمرا تكوي قلب الرجل . ولم يتبقى أمامه إلا العودة إلى عدن (مدينة الإيثار) ، ولكن هذه المرة معتكفا متألما علها تعيد له بعض السكينة وتشحنه ببعض الصبر . أثناء الاعتكاف كان هدير الموج في (معاشيق) يصله معاتبا وربما مؤنبا ، جرى ذلك بينما (الخرق كان يزداد اتساعا على الراقع ) ، ليجد نفسه في نظام ( قروسطي ) ودويلة ازدادت مساحة وأفرادا وفسادا وجحود، ولم يمر سوى عامين آخرين إلا وكانت فوهات المدافع تدك ما تبقى من أمل لديه ،وغادر مكرها ... سهاما كثيرة وجهت للرجل بعد ذلك تحمله المسئولية حول ما حدث والقرار الذي أوصله لتلك النتيجة ، وحقيقة ما يتحمله الرجل ليس أكثر مما يتحمله غيره، لان إصدار أحكام على الأمس برؤية اليوم ليس منصفا ،الجميع يومئذ هلل وبارك ، صفق وبكى فرحا ، لِمَ لا ؟! الم يكن حلمنا جميعا ذاك ؟!! كل ما هنالك حدث أمر ما في الأمر ، حضرت العاطفة وتسيدت النوايا الحسنة المشهد . ... ومرت الأيام وتدحرجت أحجار كثيرة في المنحدر طمرت ما تبقى وأعيت الرجل . شفاك الله وعافاك ، عملت ، أصبت وأخطأت .. لأنك بشر