دخل كهول العهد البائد الى الثورات الشعبية السلمية تحت حجة توفير الخبرة الى جانب طاقة الشباب و حماسهم هو اشبه بمغالطة كبيرة كما سيتضح، فالكهول في الواقع لا يطيقون تواجد الشباب في الثورة على نحو قيادي ورمزي كما اثبتت الوقائع، لان وجود الشباب في صدارة المشهد يضيق مساحات تواجدهم او يعدمها، لذا سعوا منذ دخولهم الى مشهد الثورات على ازاحة الشباب عن المشهد وتصدره بمساعدة ادوات داخلية وخارجية بحجة عدم امتلاك الشباب للخبرة ضف اليها عوامل الطيش والتسرع التي روجوا لها كثيرا، وللأسف شرب كثير من الشباب المقلب وصدقوا ان خبرة الكهول يمكن ان تقود الى نتائج ثورية تلبي تطلعات الجماهير.
ومع مرور الايام، اثبتت الوقائع ان الكهول لم يكونوا عند مستوى الثورات الفتية التي شهدتها المنطقة، لأنهم يميلون بحكم التجربة والخبرة الى التسوية لا الى الحسم ، لذلك جرى اعاقة الثورات، وإعادة انتاج تجارب الصراع الماضوي المرير لإفراغها من مضمونها الوطني، وتحويلها الى اداة لإقصاء واستبعاد شركاء الثورة في الداخل، وأداة للشحت في الخارج، حيث تسعى كثير من دول الجوار الى احتواء ثورات الشعوب في المنطقة بضخ الاموال، وهكذا تكونت الاقطاعيات الثورية في الساحات والميادين بفعل الفكر المستبد الذي لا يقبل بالآخر ولا يمتلك ممكنات النجاح الثوري او السياسي، بل تحول الى فكر معطل تميعت معه اهداف الثورة وأقصيت بسبب الاصوات المرتفعة والصاخبة الكثير من العقول، وصولا الى انتاج حالة غوغائية توظفها الرموز البائدة لتحقيق مكاسبها من تحت الطاولة بعيدا عن المكاسب الشعبية التي نزل الناس من اجلها الى الشوارع والساحات.
اثبتت الايام ان الحرص الذي ابدته وتبديه قيادات العهد البائد التي سيطرة بحكم التجربة والخبرة على امتيازات العمل الثوري في الداخل والخارج على الثورة من تهور الشباب وطيشهم امر غير منطقي، اولا :لأنها بهذه الذريعة تدين نفسها كونها كانت مشاركة في ثورات الستينيات وفي الحكم فيما بعد، وفعلا مارست الطيش السياسي والثوري الطفولي، وهي ليست حريصة على الثورات السلمية من هذه الناحية، لأنها تعلم ان شباب اليوم ليسو كشاب الامس، ولان ثورات اليوم سلمية وثورات الامس مسلحة.وثانيا: فان حرصها هو على ضمان تواجدها في صدارة المشهد ،ولم تكلف نفسها البحث عن الطاقات الشبابية من داخل الثورة لتقديمها على المسرح الثوري والسياسي، ان كانت فعلا حريصة على ضخ دماء جديدة للثورة وضمان استمرارها متوقدة وقوية.
الكهول لا يؤمنون بدور الشباب ،وهم يسقطون مثالبهم وأخطاءهم في الماضي عليهم في واقع متغير ،وذلك بهدف استمرارهم في السيطرة على قرار الثورة من حيث هو ضمان السيطرة على الكيبلات والحنفيات التي تضخ المال السياسي والامتيازات التي حولت الثورة الى حالة هلامية فاقده لقرارها وفاقد الشيء لا يعطيه.
الثورة كالمرأة تهوى الشباب والجرأة، فإن تسليم الثورة لرموز العهد البائد افقدها خصائصها وسماتها الثورية الفتية والعنفوانية، اذ بحكم خبرتهم السياسية وتجاربهم المتناقضة والصراعية استطاعوا تحويلها الي حالة فوضوية، هلامية زئبقية، فلا هي ثورة حققت اهدافها الثورية، ولا هي عملية سياسية ناجحة حققت الاهداف السياسية، وبتعبير ادق هي حالة غير مدركة بالنتيجة، اي انها حالة مشاهدة ومعرفة في الواقع غير انها ليست ملموسة أو محسوسة النتائج.
حالة اشبه بالسراب تقتات فيها الرموز على تضحيات الشباب في مشهد عربي عجائزي عصي على التغيير و الحرية والتحرر.
وبدلا من يكون لدينا ثورة شابه فتية متحررة، اصبح لدينا ثورة من اجل الكهول و ألعجائز ترعى مصالحهم، وتهتم لا مرهم، وتعتني بشئونهم، مسلوبة الإرادة والقرار.
