أتذكر وانا في المرحلة الإبتدائية أني دَرستُ درسا في مادة القراءة بعنوان ( اللواء الأخضر) وكان مقسوما إلى جزئين أ ، ب وكم كنتُ أستمتعُ بهذا الدرس فكنت أطوف مع معلمي حين كان يقرأ لنا الدرس وإذا ما خلوت بِحل واجب الدرس كنت أسبحُ مع ذلك الوصف الشيق للواء الأخضر كنتُ أتخيله أخضرا سندسيا رائق المنظر جباله وديانه بيوته شوارعه كل شيء فيه كانت طفولتي تُرفرف فوق كلمات الدرس كما أن روحي كانت ترفرف فوق اخضرار اللواء الأخضر وتحت زُرقة سمائه والتي تكاد تخضرُّ لجماله .
شاعرية وساحريةُ سكان اللواء الأخضر وسياحيتهم لم تتكن تتخيل يوما أن الساسة الحُمر بعد أن رُحِّلُوا وأن قوما خُضرا وسودا سيَحُلون محلهم ويُحيلون لواءهم الأخضر إلى لواءٍ أحمر تتبدل أحواله فبدلا من المناظر الرائعة تبرز المناظر المرعبة للأشلاء وبقايا الجثث المتناثرة على سُندسيته وتفوح في المكان روائح الموت والبارود بدلا من الورد والكاذي وبدلا من أناشيد فرقة السارة لبلابل إب والمنشد أمين حاميم والفنان فهد بلان ( والاخضري من العدين بكر) فقد بكّر الإرهاب وصرخ الإجرام في وجوه الأبرياء أطفالا ونساء وكبارا وصغارا فكانوا خامدين
أشلاءً ممزقة متناثرة في مناسبة تحولت من ذكرى لمولده صلى الله عليه وآله وسلم إلى ذكرى وفاة مجموعة من أتباعه وكل ذلك تحت راية ( الله اكبر ولا إله إلا الله محمد رسول الله ) .. وحسبنا الله .
لم يكن ذلك الحادث الإجرامي إلا نتيجة طبيعية للإرهاب المُتبادل والذي لايُفرق بين صغير وكبير ولا بين رجل وامرأة ولا طفل وشيخ ولا مَولدٍ ومأتم ولا مسجدٍ ومنزل ولا مُصحف وصحيفة .. إنه إرهابٌ متبادل يرى قُطباه ان هناك ما يُبررٌ ارهابهم وتجاوزاتهم وضروراتٍ لابد منها لتحقيق مآربهم فهدم المساجد ودور القرآن لأنها بُنيت ضِرارا وتهجير الأبرياء لأنهم أووا غزاة مُحدثين ومحاربين وسلب ونهب المنازل والمؤسسات العامة إنما ذلك غنائم وفيء والتخلص من عدو مخالف للفكر والمذهب يجوز ذلك مع الكراهة والضرورة ولو كان بين مجموعة من الأبرياء.
لن نُحمل مسؤولية ماحدث لطرف بعينه وإنما يتحمل الجميع المسؤولية حكومة ومحكومين أحزابا ومثقفين واعلاميين ووجاهات اجتماعية وقبلية ويتحمل المسؤولية الكبرى والعظمى راعي الدولة الأول والمسؤول الأوحد بين يدي الله إنه رئيس الجمهورية فعليه أن يستدرك الأمر فقد فات من الأوان الشيء الكثير وعليه أن يستدرك القليل الباقي فذلك أضعف الإيمان وان يضع حدا وحاجزا يحمي ويمنع به إراقة الدم اليمني وان يُصارح الشعب بالحقيقة المُرة التي يتجرع مرارتها من أعطوه أصواتهم ومنحوه ثقتهم ولم ينلهم من ذلك إلا الويل والخسران .