قبل قيام ثورة الحادي عشر من فبراير كانت كل أعمال السلك الأمني والحكومي تعتمد على الإنتماء السياسي و الحزبي والأيديولوجي، فلو شكوت بأحدهم إلى قسم الشرطة أو أي دائرة حكومية ، أول ما يقابلك غريمك يفتتح كلامه لضابط الأمن أو مسؤول الدولة ماذا يريد هذا الإشتراكي أو هذا الإصلاحي مكملا بقية حديثه وقد حقن ضابط الدولة أو مسؤولها بعبارات مفادها أنا من أبناء الدولة و من المنتمين إلى الحزب الذي يحكم الوطن !
وكأن الحق ملصق به و كل من سواه لا حق لهم ، فتجد لهجة ضابط الأمن أو مسؤول الدولة تتغير مباشرة، ليقف في كفة من جئت طالبا حقا لك عنده..! لتصير أنت في دائرة الإتهام لا في دائرة االمطالبة بالإنصاف من غريمك !
ربما تغيرت الأمور بعد ثورة الحادي عشر من فبراير كثيرا لكن لم يرق الحال لكثير من رجالات الجيش والأمن و موظفي الدولة، فكان في أكثر الأحيان تجدهم في قمة التضمر، يعيقون معاملتك لأتفه الأسباب وبذات لو عرفوا أنك من شباب الثورة .
لم يتغير الحال كثيرا و لكن كانوا يدركون أن الأوضاع لو ستمرت لتطبق أهداف الثورة الشبابية فسيكون حالهم مضطربا وستنغص عليهم معيشتهم الخارجة عن أنظمة القانون اليمني أو ما يسمى بمصطلح الشعب اليمني (حق القات) .
ذهبت في أحد الأيام إلى إحدى إدارات الأمن من أجل أن أقدم بلاغا بفقدان بيان جمركي لسيارة ما و بعد تجهيز جميع التواقيع التابعة للبحث الجنائي و مدير الأمن لم يتبقى إلا الختم الرسمي أشار لي مدير الأمن أن أذهب إلى (ق . م) لكي يختم لي البلاغ ، ما إن وصلت حتى تحدث لي بكل وقاحة قائلا : أقطب نفسك وشوف كم في جيبك ...!
كان يحذوني الأمل فباشرته قائلا : لا يوجد في جيبي سوى ثلاثون ريالا فقط!
فقال: خلاص خلي البلاغ و عندما تحصل على المبلغ تعال، وبعد مشادة كلامية ...
قلت له بالنص : أنا أحد شباب الثورة ولن أدفع لك ريالا واحدا ...!
فردقائلا : خلي الثورة تنفعك ...
فقام بحجز البلاغ معتبرا ذلك البلاغ غير قانوني ...ولحدث يطول إلى أن وصل حد أخذ توجيه من إدارة أمن المحافظة، كان الأمر أشبه بالتحدي لرفض الواقع الجديد والبحث وراء مستنقع الفساد للوقيعة بالوطن..!
و مثل هذه الأحداث كانت مبررات تشكيل اللجان الشعبية التابعة لجماعة الحوثي الملائكية و مقتضاها إعادة الحق إلى أهله و تجفيف منابع الفساد بالتحالف و التعاون مع مرتادي تلك المنابع النتنة .
كنت حينها أشكك في كل مايقال عن اللجان الشعبية بالرغم من أني أعرف أنني اغالط نفسي لكن لنتبين من التهم التي توجة لهم من رشوة و تحيز و مناطيقة وغيرها ...
بالأمس تأكدت من كل هذا . تأكدت أنهم لا يقفون إلا مع من يعرفونه و يشهدون بما تكذبه العين أمام الجميع، و كانت الحادثة التي بينت لي ذلك أن أحد رجالات أنصار الله صدم سيارة كانت تقف على جانب طريق أستوقفه المارة لأن صاحبها لم يكن موجودا فأشهر سلاحه قائلا : أنا من المجاهدين ومتسائلا: في نفس الوقت أين صاحب السيارة؟و من سمح له بالوقوف هنا !!
واستغرب الجميع حين وصلت أحد الأطقم الحوثية من أجل فصل النزاع و قام من كان على الطقم بمصافحة المجاهد -المتسبب بالحادث- ونظروا إلى السيارة التابعة لأحد المواطنين فنظر إلى صاحبه قائلا : يصلح لك السيارة أو نسحبها للمكتب ...!
هنا أدركت وقاحة تلك المليشيات المدججة بالسلاح، صمت الجميع و تحدثت إليهم فكان كل تفاصيل شرحي تواجه بالرفض وعدم الإنصات لها ...!
الشاهد من الأمر عدنا إلى مستنقع الفساد و المناطقية و الإنتمائية و الأيديولوجية وغيرها ...
دارت الأيام وكتشف الكثير من أبناء هذا الوطن و خاصة ممن كانوا يحلمون بتحقيق أحلامهم عن طريق جماعة الموت ستحقق لهم مايسعون إليه بقوة السلاح ، غير مبالين بما تحقق لهم ثورة فبراير من أهداف سليمة قد تكون طويلة الأمد لكنها خير من لا شىء وبفارق الزمن الذي كانوا ينتظرونه . تبخرت أحلامهم و بدأ البعض يصب جام غضبه على تلك الجماعة المسخة ، التي دسنت وطنهم بشعارات واهية و أوهن من بيت العنكبوت !
سننتظر الأيام وهي كفيلة بأن تعرف كل فردا حقيقة و خفايا هذه الجماعة المخبئة أهدافها خلف حاجات الضعفاء و أحلامهم . لتصل في نهاية الأمر إلى حقيقتها و إلى إسقاط أهداف و اغتيال أحلام تلكمُ الطبقة المغلوب على أمرها برصاصة كانوا يظنون أنها ستوجه إلى عدوهم وهادم وطنهم ومنتهك سيادته الذي يتمنون الموت له.