نحو أربع سنوات انقضت منذ اندلاع أول شرارة محاولات التغيير في البلدان التي عصفت رياح الربيع العربي والتي اذكت حراك اجتماعي لا سابق له وتداخل الدين بالسياسة تزامن مع أعمال عنف وصراعات وحروباً يتخذ معظمها طابع حروب دينية ومذهبية. فالإرهاب الذي ضرب أكثر من مكان في العالم تجلبب بلباس الدفاع عن دين محدد وفي الغالب الدين الإسلامي حيث أصبحت مفردة «إسلام فوبيا» في اوروبا عنوانا لصراع الحضارات بين الشرق والغرب بين حضارة الفكر الليبرالي العلماني والعالم العربي التي تجتاحه موجة العنف في بعض بلدانه . في داخل هذه البلدان التي تشهد صراعات داخلية، يلاحظ المراقب أنّ النزاعات الطائفية والمذهبية تخترق هذه الصراعات، حتى ولو كان الأصل فيها ذا طابع محض سياسي. ولأنّ العنف الذي يضرب مناطق متعددة في العالم بات مغلفاً بطالع ديني إلى حد بعيد، يصبح السؤال مشروعاً عما إذا كان العالم قد عاد يدخل في قرن الحروب الدينية على غرار القرون السابقة في أوروبا أو العالم الإسلامي. من إفرازات الربيع العربي تأثر النخب العربية بالدعوة للفدرالية مع إنها ليست المشكلة الرئيسية ولاسيما نحن في اليمن فهناك بدائل للفدرالية بأن تمنح المحافظات صلاحيات واسعة أشبه بما هو معمول به في الفدراليات كالسياسة الخارجية والعملة والدفاع ونحو ذلك ، فلا يعقل القفز من مركزية شديدة إلى فدرالية في وضع هش حيث ان الفدرالية لا بد أن تستند لمركز دولة قوية واقتصاد متعافي وهذا ما نفتقده في اليمن اليوم بعد أربع سنوات من ثورته ، ولابد أن يتعظ اليمنيون من تجربة العراق في هذا الأمر لم يكن العراق الجديد مثالاً يُقتدى لكي يتحول إلى نموذج للديمقراطية في المنطقة بل كانت النتيجة العكس من ذلك. ولا مجال هنا لسرد الحالة المعروفة في بلاد الرافدين. واليوم بعد أكثر من عقدين على النظام الدولي الجديد وأكثر من عقد على سقوط بغداد المدوي وفي تقييم الحالة نرى أن المخططات قد نفذت بدقة سواء في تمرير مشاريع التسوية او في مفاهيم شكل الدولة الإقليمية. فبدلا من الرؤية الصائبة لجوهر الإشكال في العلاقة بين الحاكم والمحكوم التي لا تختزل في شكل الدولة ولا نوع النظام بل في خلق ثقافة ومفاهيم عملية للديمقراطية وإرساء دولة مدنية يسودها المساواة والعدل والإنصاف دون تهميش وإقصاء للأقليات والأثينيات ونحو ذلك من القيم التي تنادي بها المفاهيم الديمقراطية وليس مجرد مظاهر خادعة على النحو التي سارت به معظم الأنظمة الشمولية.
شهدت عشرينات القرن المنصرم زلزال في المنطقة العربية غداة افول نظام الخلافة العثمانية ، وتحول النظام الإقليمي العربي وحسب اتفاقية (سايكس بيكو) لخارطة جديدة للوطن العربي وبعد نحو مئة عام بدأت ملامح تقسيم المقسم وإمكانيات تقسيم بعض البلدان العربية سوا ممن شهدت الربيع العربي او بلدان أخرى ، فبدا تجزئة المجزاء يمارس عملياً وكأنه محور اهتمام ومشاكل هذه البلدان ويحتل الاولويات!
ومن هنا فواقع بعض بلدان الربيع العربي ومنها اليمن طغت فكرة التقسيم ولقتّ تشجيعا لافتا م من خلال التسويق لمشاريع الحكم الفدرالي متزامنا مع اهتمام لافت للإستراتيجية الغربية في التعامل مع المنطقة العربية على أساس دعامتين هما الديمقراطية وتمكين الأقليات الأثينية والطائفية. وآنذاك استهلت هذه الفكرة بمشاريع فدرالية في العراق حيث أكد دستور الحاكم الأميركي للعراق «بول بريمر» على أن لكل محافظتين آو أكثر الحق في تشكيل كيان فدرالي مستقل. ولم ينجح دستور «بريمر» إلا في إقليم «كردستان» للفوارق القومية والثقافة والخصوصية المعروفة في حين اخفق في بقية العراق إذ غدا العنف اليومي والفساد المطلق هو سيد الموقف والعراق إجمالا من سئ إلى أسوأ ذلك أن الإشكال ليس في شكل الدولة سواء أكانت فدرالية ام دولة بسيطة وكذا نظاما رئاسيا أم برلمانيا، فلازال العراق رغم إمكانياته النفطية الهائلة يراوح مكانه بل ويتراجع في كل تفاصيل الحياة بصورة مخيفة ومقلقة.
والدول التي جثم عليها الاستبداد كالعراق وسوريا وليبيا واليمن تتنامى فيها الدعوات الفدرالية ، فليبيا قد تُقسم لقسمين على الأقل بني غازي في الشرق تماما كاليمن والتي يتنافس المتنافسون في جدلية هل إقليمين او ستة ، بالنسبة للفاتحون الجدد من يسمون أنفسهم «أنصار الله» ، كانت طموحاتهم غداة انتهاء مؤتمر الحوار الوطني هي إقليم سناء مع توسع شرقا للجوف من اجل احتمالات توفر النفط وغربا ميدي في تهامة على ساحل البحر الأحمر ، ولكن بعد سقوط صنعاء توسعت طموحاتهم لتشمل المحافظات الشمالية قبل الوحدة ، كي يسهل السيطرة عليها لأنها لا تشكل سوى ثلث اليمن وكذلك سيعاد التوازن المذهبي بحيث يصبح أتباع المذهب الزيدي أكثر من ثلث السكان بينما لا يشكلون سوى الربع في دولة الوحدة .