ألوطن المفقود:

2015/01/16 الساعة 11:11 مساءً


بقلم: د/ محمد أبوبكر شوبان
على إيقاع نغمات بحر العرب وتحديدا من شواطئ عدن الفاتنة بدلالها، الساحرة بجمالها، كنت وكعادتي اليومية - غالبا - أمارس الرياضة الصباحية وفي لحظة التوقف أخذت أفكاري تتداعى وكانت معها مشاعري تحاول أن تغادر حالة الإحباط التي تكتنفها في بلد أقل مايقال عنه بأنه بلد فاشل أو مايمكن أن نقول أن كل شيء فيه منكوسا على رأسه لا على قدميه معتدلا متوازيا أو حتى أعرج متكئا على عصاه.. نعم استطعت أن استجمع قواي لأرحل إلى الماضي فغادرت المشاعر موطنها المحصن بسياج اﻷحداث المآساوية إلى هناك إلى إيام تولت بخيرها وشرها لكنها عالم آخر كان لابد من استحضاره فأخذت اﻷماني واﻷحلام تتداعى مع نسمات الفجر ومتنفس ثقب اﻷوزون الذي يغذي الروح.. استوقفت نفسي لأنظر إلى البحر وهويلبس حلته الزرقاء الباهرة ونظرت إلى أمواجه التي أخذت تداعب الفراغ الروحي الذي تركته اﻷحداث في نفسي والذي يكاد أن يحرق مساحات اﻷمل عندي في يمن آمن مستقر قوي بماضيه وحاضره ليلحق بركب الحضارة والرقي كبقية دول العالم.. ظللت أبحث عنه على الواقع بعد أن عرفته وأنا صغير ومدرس اللغة العربية يقرأ عنه في درس القراءة والنصوص، ومدرس التاريخ يتحدث عن بطولات رجالاته وبسالتهم وفي درس الجغرافي يتحدث عن مساحته وثرواته التي تكتنفها الكثبان الرملية ومناخه المتكامل وشواطئه الغنية بالأسماك ويتفقون جميعا في الحديث عن القوى التي فصلت جنوبه عن شماله ليخدم استبداديتها في الشمال وإطالة استعمارها في الجنوب ولولاها لما كنا في مصاف العالم الثالث المتخلف.. ها قد رحل الإمامة ومعهم المستعمر البريطاني وزالت حواجز التشطير ولم نزدد بعدها إلا فقرا مدقعا ومرضا مفندا أصاب السواد الأعظم، وغنى مطغيا أستأثر به شرذمة قليلون ..لم أعد أصدق ما قرأته وما قاله المعلمون - الذين أكن لهم كل التقدير- فهو في ذاكرتي بات خيالا لا وجود له فأنا وغيري من أبناء هذا الوطن اليوم نبحث عن وطن مفقود فقدناه يوم أن أدركتنا مرحلة الإدراك فأخذنا نتملى الوجه الحقيقي لوطن قيل عن عظمته ومجد رجاله الكثير وياليتني بقيت على قناعتي بأن لدي بلدا عظيما يتربع مساحته رجال عظماء.. لكن واقع الصدمة جعلني أفقد شيئا من توازن النفس فأخذت اترحم على العهد الإمامي والاستعمار البريطاني اللذين لم أشهد أيامهما الخوالي لكني سمعت عنها من البسطاء وكبار السن الذين لم تكن لهم مصلحة في أي منهما.. العديد من المحاسن والايجابيات سادت إبان حكمها والتي لم تصل إليها أي من الثورتين.. سمعت عن العدل وإن كان البعض يعده ظلما لكنه وإن كان فهو على الناس جميعا وبهذا كما يقال الظلم في حق الجميع نوع من العدل.. سمعت عن النظام وعن تطبيق القوانيين وعن وعن وعن ... لكن شيئا من هذا لايوجد اليوم.. استرجع الذكريات فأسأل نفسي ياترى هل ممكن أن أجد وطني المفقود يوما ما حتى أرمي بجسدي المنهك في أحضانه ومعي اﻷلاف ممن يعيشون الاغتراب الروحي في وطنهم أو الإغتراب الفعلي في أوطان شتى لايعترف لهم فيها بشيء فيعانون غربة الزمان والمكان.. أستذكر مع ذلك قول الزبيري رحمه الله وحلم العودة يراوده في منفاه، حين رأى كل الطيور المهاجرة قد عادت إلى أوطانها إلا هو قائلا:
اليوم عادت طيور اﻷرض صادحة** -------- فمتى يعود الطائر اليمني
لكنه وبعد مرور عقود من الزمن لم تعد إذ لا زالت مهاجرة ولا زال اﻹذلال والحرمان هما الشعار والدثار على مستوى الروح والواقع الذي يرى بأنه أهون عليه من ظلم ذوي القربى.. لك الله أيها اليماني متى ستحتفي بميلاد وطن عشت من أجله وصبرت لترى لحظة ميلاده؟! ولتقول له مرحى بوطن طال انتظاره .. لقد كانت خواطري تسابق نواظري وأنا ثاو على صخرة صما لا أحد يجيبني إلا البحر بأمواجهه المتلاطمة .. بعدها تحاملت على نفسي ﻷعود وبداخلي وطن حلمت بوجوده لكنه لايزال مفقودا..وسأظل أبحث عنه متمثلا ماقاله شوقي يرحمه الله وهو يعبر عن حبه لوطنه:
وطني لوشغلت بالخلد عنه**
------لنازعتني إليه في الخلد نفسي.