من المعلوم أن الشعوب هي من تختار مصائر أوطانها، وتسير وفق منظومة تبادلية – ديمقراطية - تسعى من خلالها كل التيارات السياسية أو أي طرف منها إلى تحقيق الأهداف التي يسعى إلى تحقيقها وغالباً ما تكون مشروطة بخدمة الوطن يسعى من خلال ما تقدمه تلك الأحزاب للوطن من أجل توسيع قاعدته المجتمعية وهذا ما يسمى في البلدان الديمقراطية بالتنافس الخدمي و تستخدمه كافة الأطياف السياسية في العالم .
لكن الملاحظ اليوم أن هناك واقع آخر يرفض كل خيارات الأوطان وشعوبها ويضع بدلها الشعوب تحت سيطرة الأمر الواقع المحمية ببارود السلام و الشراكة الوطنية، مسميات براقة لا يؤمن بتفسيرها الحقيقي إلا أصحاب اللغة الهويسين بالتفسير، أما أرباب السياسة وممارسوها فيرفضون تلك المسميات العسلية و يمقتون أصحابها .
في اليمن وخصوصا أحداث 21 سبتمبر و الذي أطلق عليه كبار الساسة أو قالوا عنه أنه إنقلاب بمشاركة رأس الهرم في الدولة "هادي" ضد بعض القوى السياسية المتواجدة في الوطن .
يَطلقُ أبناء الشعب اليمني على أحداث 21 سبتمبر اسم (ثورة الحوثي الأسرية ) في إشارة إلى عملية الحصر و القصر للإنقلاب الذي حصل باسم الشعب للقضاء على الفساد، و بدأت الجماعة الطائفية بنهب كل ما يعترض طريقها ليدخل هذا قائمة الفوضى و العبثية بمقدرات الوطن .
بينما تنظر بعض التيارات السياسية و الحزبية و خصوصا – اللقاء المشترك- بأن ما يحدث ثورة مضادة ستقود البلد إلى جحيم الحرب، و ذلك لأن من قام بها تحالف مع كل القوى العسكرية و المدنية المناصرة للنظام السابق، و أن كل من تعرضوا للبطش و السلب و النهب هم من أيدوا الثورة الشبابية الشعبية السلمية .
فبين تلك المسميات المتداولة بين أفراد الوطن الواحد استكان الحوثي ليختار اللفظ المتوسط عند عامة الشعب، فختار قضية الفساد، وكيفية القضاء عليه. ذهبت الجماعة في ثورتها وهي تحمل ثلاثة أهداف رئيسية لا غير, كانت تتشدق حينها بالثورة .
لم تستطع تلك الجماعة السير وفق خطة سلمية، فَجَرهَا عُدوانها إلى إسقاط مؤسسات الجيش والأمن والسيطرة على مقدرات الدولة بل وصلَ بهم الأمر إلى حد التمترس و الوصاية على كل مقرات الدولة الحكومية، ثورة القضاء على الفساد لم تحسم أمٌرها جلياً بثلاثة أهداف. فكل شيء أمامها استباحته و صار من غنائم الحرب الوهمية التي يتحدثون عنها .
في بداية الأمر استخدمت الجماعة مصطلح الفساد وكيفية القضاء عليه، ومن هذا زاد فسادهم وستشرى في مفاصل الدولة باسم المستحقات المالية للجان الثورية تارة و باسم الواجبات تارة أخرى و غير ذلك الكثير ولعل أخرها الوثائق التي تم تسريبها و التي تطالب بصرف بعض الرواتب لبعض الأعضاء في اللجان الشعبية (الحوثية) .
كان فساد الدولة "العذر" الوحيد لجماعة الحوثي حيث بقيت تدندن حوله بالكثير من المصطلحات البراقة، سقطت الحكومة وسقطت الجرعة وزاد فساد الدولة، العين تنظر وتشاهد ذلك بل و وأضيف إلى ذلك القتل و الترويع ومصادرة الأرواح دون أي حق يذكر.
بقي فساد الدولة وزادة حدة السلب و النهب، فساد للأرواح، تفجيرات هنا و هناك ، وواقع ينذر بأزمة اقتصادية قد تشب فتيل واقعها – فتيل الحرب من أجل البقاء - .
بالأمس القريب أختطف مدير مكتب رئيس الجمهورية ومن قبل جماعة كانت تطالب بتنفيذ مخرجات الحوار الوطني والتي نسيت أنها بهذه الفعلة قد تُقحم نفسها في صراع أبدي مع الشعب لا مع غيره ـ مالك السلطة ومصدرهاـ لتدور دائرة المطالب الثلاثية التي أسميها أنا بمسار جحا في رأس الوطن .
وبالأمس أيضاً تم السيطرة على مقر الرئاسة بالعاصمة صنعاء و كان رئيس الدولة حينها لا يفقه من الأمر سوى أوامر تعمل إيصال الحوثي إلى مبتغاة، بدأ بالمناورة وبالحشد العسكري و لبس للباس الحرب. لم يكن هذا فحسب بل وقطع معظم شوارع العاصمة الرئيسية استعداداً لدفاع عن مركز الدولة الوحيد _رئاسة الجمهورية_ تفائل الناس خيراً وبدأت المناوشات، ليتم إبلاغ الجنود بعدها بعدم الرد أو مواجهة المليشيا، سٌلم القصر الرئاسي وعين الجنود تذرف بالدموع حين شاهدوا المسلحون يستبيحون حرمة القصر، بكت العيون ولكن خائنها يضحك في قصره .
تطورت الأمور وخرج السيد من وكرة بمران – صعدة – وعلى قناة المسيرة محذراً الدولة من فرض شروطها على جماعته ومطالباً بشروط أربعة لامناص لدولة منها . بعدها بوقت بسيط أقرها الرئيس وبموافقة مستشاريه على ذلك والذين يمثلوه هو لا أحزابهم السياسية .
كل ما يقوم به الحوثي في المرحلة الراهنة شيء لا أجد له أي مبرر سوى أنهم يجتاحون مراكز الدولة بمبررات هي أوهن من بيت العنكبوت.
يفتعلون المشاكل لكي يقوموا بإطفائها بنار السقوط لمعسكرات الدولة، وكأننا لم نعرف الأسواق التي بيع فيها سلاح الدولة وبأرخص الأثمان .
تعمل تلك المليشيا على البحث وراء مشاكل تفتعلها لترمي بفشلها الذريع عليه - فشل في إيجاد البديل المناسب – لم يعرف الحوثي بعد أن المجتمع يعيش حالة من السخط الكلي تجاه ما يقوم به هو ومليشياته و معاونيه ولن ينسى الوطن أن رئيسه السابق هو من ساعد مليشيات القتل في السيطرة على مؤسسات الدولة التي كان يملك زمامها طوال ثلاثون عاماً .
سيعرف الحوثي يوماً أنه طرف المشكلة من بدايتها وهو الحل النهائي لها، وسيعرف أبناء الشعب اليمني أن من يتباكى على مصالحه أنه هو من يكذب باسمهم و ينهب محتويات مؤسساتهم باسم الثورة وباسمهم،عرفَ الشعب أخيراَ أن المليشيات تقود البلد إلى جحيم من الحرب قد لا تنطفئ نيرانها طيلة العمرلو قدر الله .