مُجدداً نقول : إن وأد وإغلاق شهية الثأرات والخلافات والأيديولوجيات فيما بين الأطراف السياسية والقوى المؤثّرة في المشهد اليمني سيُمثّل الميلاد الحقيقي لنور الاستقرار السياسي والانتعاش من حالة التوهان والخوف والتجمُّد الذهني والنفسي الذي يمرّ به المجتمع بأسره .
عبارة مهمة جداً إذا استوعبتها جميع القوى المتصارعة بالشكل الذي ينبغي ستتقدّمُ العملية السياسية خطوات كبيرة للأمام، وهي :« إذا غاب الأمن تموت كل الأشياء وفي مقدّمتها الحريات وعمليات الانتاج وطُرق العيش ومصادره » ، يتعيّن علينا أن نعي هذه الحقيقة ونعي إن الطريق الذي نسيرُ عليه اليوم ليس الأسرع في الوصول للاستقرار والشراكة الوطنية الناجزة والمطلوبة .
صحيح هناك زبائن كُثر للفوضى وقائمة طويلة من العوامل التي ، ربما قد تكون خارجية وداخلية وذاتية واقتصادية وموضوعية وغير موضوعية ساهمت في إيجاد ما يجري من تداعيات ومتاعب وتعقيدات ، إلى جانب وجود تكفير ديني وسياسي ، بليد ،وشكاوى لم تتوقّف من الاقصاء الوطني ، لكن نعتقدُ إنه مهما يكن فالأمل يظل كبيراً ومُخترقاً لكل هذه السُّحب التي تسدُّ آفاق الناس ، إلى جانب إن شعباً ، كالشعب اليمني لا يمكن له أن يموت ، أو يُنفى، فبإرادة الشرفاء والفاعلين والصادقين لن تستمرّ أوجاعه ولن يكون وطننا مثالياً لأي بؤس بشري ،تاريخي .
اليمنيون حتماً قادرون على الوقوف واستشراف المستقبل وضبط حضورهم فيه بميزان دقيق وحسّاس ، فهذا البلد له تقاليد عريقة في الحوار ،ويمتلك تراكماً ورصيداً حقيقياً من المثقفين والنُّخب الفاعلة والحكماء، الذين لن يعدموا الامكانيات والوسائل الناجعة في ايقاف الفوضى المتوحّشة التي تتربّص بهم وبوطنهم ، واليمنيون - أيضا - قادرون على التخلص من أي وباء ، أو مرض اجتماعي، سواء كان وافداً ، أو متشكّلاً في بيئتهم ، مستغلاً حالة السقم والضعف وسوء التقدير.
عامل آخر ..كُلّما نظر الناس للأمام وتوقّفوا عن حِمل أثقال الماضي ومساوئه وصراعاته وحسابات مكاسبه وخسائره ، حتماً سينجون ، وكُلّما توسّلوا أي منطق أعوج يبعدهم عن التآخي والتفاهمات والشراكة ، سيغرقون في دماء بعضهم البعض وسيدفعون بأعداد كبيرة منهم للمقابر ،كما سيلحقون بالملايين - أيضاً - من رفاقهم الذين يعيشون ، ليس تحت خطّ الفقر، فحسب، إنما تحت خطّ فقر مطلق ورهيب ، يقتاتون على هامشية الفقرالمدقع الذي يحيل الأحلام إلى فحم محترق ورماد متطاير في الهواء.
إن الذي يشجّعنا على أن نقول هذا الكلام الجميل عن اليمنيين ،وبثقة كبيرة، نرفعُ من خلالها معنوياتنا ، هو إن روح الإنسانية والرحمة والحضارة والتسامح وأثير الأمجاد والتاريخ ومهد العروبة الأول يوجد في هذه الأرض الطيبة ،التي يُعرف عن أبنائها الكرم والوفاء ،المغالبة والصبر، لبلوغ الغايات بمنطق وروية ودهاء فطري ، فلم يستسلموا يوماً للفوضى مهما كانت شراستها وظلاميتها، التي تُسبّب غشاوة على بصر وبصيرة كثير من المجتمعات التي تَعمى عن رؤية مصالحها والوعي بذاتها وبأهمية العيش في محبة وحرية ، ولعل هذه الأخيرة ، تكتسب من الأهمية والرمزية الكثير ، على اعتبار إن الإنسان لا يكون موجوداً ، ما لم يكن حُرّاً ، شريطة أن لا تدفع به حرّيته لنفي وإلغاء خصومه ومصادرة حقوقهم وتسليع وتدنيس المفاهيم والمبادىء والشعارات والثوابت وقيم التعايش .
لابد أن يتخلّص الجميع من منطق القوة والسلاح ، والحُجّة المطلقة ويعودون سريعاً ، وبدون شروط ، للحوار الجاد الذي لن يُكتب له النجاح مالم يقم على قاعدة رئيسة ، وهي شعور الجميع بالنقص عن بلوغ الكمال والحقيقة ، أما الحوار الذي يذهب إليه المرء وفي داخله اعتقاد راسخ وقناعة لا تلين إنه كامل في ذاته، وإنه صاحب الحق الوحيد والرؤية الصائبة ، فهذا النوع من المتاحورين ،في الحقيقة ، أبعد ما يكونوا عن التوصّل لحلول ،أوالتواصل مع الآخرين للبحث عن حلول.