لا يختلف اثنان عن أن الاستقرار السياسي في أي بلد، هو الأساس الذي بوجوده يتحقق الاستقرار الاقتصادي، والاجتماعي، وإحداث التنمية ، إلا أنه قد يختلف هذا المنظور في اليمن الذي تتجاذبه الأزمات السياسية وأعاصيرها، وعامل التوازنات السياسية في بلد لا يستطيع أي طرف سياسي أو مذهبي أو قبلي الأنفراد بالحكم فيه، حيث يشكل وجود "تنظيم القاعدة " أكبر التحديات وأخطرها التي تواجه الاستقرار السياسي فيه، ناهيك عن أن تواجوده يزيد من قلق دول الجوار والمجتمع الدولي التي تشعر بتهديد مصالحها من بقائه كخطر دائم يهدد الاستقرار في اليمن ودول المنطقة، لهذه الأهمية أحتلت هذه القضية الأولوية في المباحثات السعودية الأمريكية التي عقدت بالرياض بين خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، والرئيس الأمريكي باراك أوباما أثناء زيارته للملكة العربية السعودية يوم الثلاثاء الماضي.
أن بقاء الأزمات واستمرار تأثيرها على أداء سلطات الأمن، يتيح لتوغل "تنظيم القاعدة في شبة الجزيرة العربية" وتمدده في مناطق كثيرة في اليمن، وهذه المخاوف تستدعينا بألا ننشغل بالإزمات السياسية، ونترك المجال مفتوحاً لانتشار وتمدد عناصره في بلادنا، لهذا أقولها بمرارة: إن تكرار الأزمات السياسية في بلادنا، والتي تفاقمت هذه المرة منذُ الاعتراض على مسودة الدستور الجديد، وأختطاف الدكتور احمد بن مبارك مدير مكتب الرئيس، أمين عام مؤتمر الحوار، واستقالة رئيس الحكومة الدكتور خالد بحاح، ورئيس الجمهورية عبدربه منصور هادي، قد أدخلت البلد الذي يعاني من مشكلات عدة، وفي مقدمتها الفقر وتواجد (تنظيم القاعدة)، في فصل جديد ومعقد، أثر على مواقف بعض الدول لاستمرار قلقها المتزايد من وجود خطر "تنظيم القاعدة في بة الجزيرة العربية"، ولقناعتهم بأنه هو التحدي الأبرز الذي يواجه اليمنيين، وهذا الموقف على الأرجح لا يعني التخلي عن دورهم في حل الأزمة السياسية التي تعصف بالبلد، بحسب تصريحاتهم، ولكنه بمثابة رسائل موجهة لليمنيين، مفادها ألا ندير ظهورنا لوجود "تنظيم القاعدة في شبة الجزيرة العربية"، الذي يشكل الخطر الأكبر على العملية السياسية في بلادنا، وألا ننشغل بالمفاوضات بين الفرقاء السياسيين، والاستمرار بالمناكفات السياسية بينهم.
علينا أن نتعاطى مع الوضع الراهن بإخضاع تفكيرنا وتعاملنا معه للمعادلات الإسثنائية في وضع غير طبيعي كهذا، الذي يحتل فيه العامل الأمني مستوى أعلى من مستويات العوامل الأخرى، الاستقرار السياسي، والاقتصادي. فالاستقرار الأمني يساوي الاستقرار السياسي وجميعهما يحققان الاستقرار الاقتصادي في ظروف البلدان المضطربة، والعكس صحيح في الظروف الآمنة، فإن الاستقرار الاقتصادي هو الركيزة الاساسية، الذي يؤدي تأثيره إلى صناعة الاستقرار السياسي والأمني، وهذه المعادلة تنطبق على البلدان التي لا تشهد إضطرابات أمنية، وأحياناً يتطلب الوضع أن يكون الأثنان في آن واحد، أي أن تسير الجهود السياسية والأمنية بشكل متواز، كما هو حاصل في اليمن لمحاصرة نشاط "تنظيم القاعدة في شبة الجزيرة العربية" للحد من الخسائر التي تلحقها عملياته الإرهابية، وما تخلفه من ضرر وتدمير لاقتصاد الدولة اليمنية التي تأثرت كثيراً جراء استهدافه لمنشآتها الاقتصادية في قطاعات النفط والطاقة والغاز وغيرها، مما أصبح تواجد التنظيم في اليمن معرقلاً رئيسياً لأية فرصة للاستقرار في المستقبل، حيث تشير إحصائيات الحكومة اليمنية إلى أن الاقتصاد والموازنة العامة تكبدا خسائر تقارب 1.482 تريليون ريـال، ما يعادل 6.9 مليار دولار، جراء التخريب المتكرر لخطوط نقل النفط والغاز وشبكات الكهرباء بين 2012 و2014م.
خلاصة القول:
أن اليمنيين بحاجة إلى إتباع خطوات عملية وصادقة لترجيح صوت العقل لمعالجة أزمتهم السياسية بالطرق السلمية، وإيجاد توافقات تفضي إلى خلق استقرار سياسي مستدام، ولكن مع عدم ترك بقاء خطر "تنظيم القاعدة بشبة الجزيرة العربية" ، الذي بوجوده لا يمكن أن يصل اليمنيون إلى تحقيق الاستقرار السياسي، كونه يشكل عائقاً واضحاً لأي تحول سياسي أو استقرار مستقبلي لبلدهم، لأن استمرار عملياته التي تجددت مؤخراً في البيضاء ومأرب والمكلا، ستجهض أية خطوات وجهود بأتجاه حل الأزمة وإيجاد الاستقرار، بل إن هذا سيصرف أنظار المجتمع الدولي واهتماماته بالشأن اليمني، إلى الاتجاه لحماية مصالحه، وهو ما سيؤثر مستقبلاً على استقرار كافة الجوانب، الاقتصادية، والأمنية، والاجتماعية.
لهذه الأسباب مجتمعة، علينا تغليب مصلحة الوطن، والسير بثبات لإعطاء المسألة الأمنية اهتماماً متزايداً لما ستؤدي نتائجه إلى تحقيق الاستقرار والسلام في اليمن.