سؤال يطرح نفسه من وراء ما يحصل اليوم ... وما يراد من الجنوب وشعبه ؟ فالإجابة على هذا السؤال وما يشتق منه لا يمكن بلورته بعيداً عن استقراء الأحداث الأخيرة في اليمن الذي يشتعل بنزاعات وصدامات تتزايد وطأتها وحدتها بوتيرة متسارعة، ممكن القول أن اليمن برمته يجلس اليوم على برميل بارود و يساهم في ذلك الموقع الإستراتيجي (الجيوسياسي) المميز للجنوب وتضارب مصالح الدول الكبرى والصغرى والصراعات الداخلية بين القوى اليمنية في السيطرة الحصرية على موارده ومستقبله. لكن مع كل الذي يحصل هل سيضع ملف الجنوب على طاولة الأمم المتحدة وسيمر على حديقة المجتمع الدولي؟؟ سؤال مهم جداً لكنني حتى اللحظة سأنخرط في الواقع المعايش وسنغلق كل أبواب اليأس ومع ذلك نقول لا تزال القضية الجنوبية والتي تعتبر من أهم القضايا الشائكة لحد الساعة لم توضع على طاولة الأمم المتحدة للمناقشة والاجتهاد رغم أنها حملت صدامات مسلحة في عام 1994 تبلورت في تجسيد مبدأ القوة والبقاء للأقوى، ومنذو 2007 حتى اليوم الشعب الجنوبي قدم الكثير من التضحيات (شهداء وجرحى ومعتقلين) من أجل استعادة دولته وحريته وكرامته، الذي كفلت له هذا الحق كل المواثيق والمعاهدات الدولية فنص عليها صراحة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في المواد (5،9) والتي تناغمت مع المبادئ الدولية في حق الشعوب في تقرير مصيرها بالقول:" لا يجوز إخضاع أحد للتعذيب ولا للمعاملة أو العقوبة القاسية أو اللا إنسانية أو الإحاطة بالكرامة"، وكذلك " لا يجوز اعتقال أي إنسان أو حجزه أو نفيه تعسفا"، وفي عام 1972صدر عن الجمعية العامة قرار مهم برقم (2955) حول حق الشعوب في تقرير المصير والحرية والاستقلال وشرعية نضالها بكل الوسائل المتاحة لها والمنسجمة مع ميثاق الأمم المتحدة. بالتالي باتت الجنوب بثورتها السلمية الطويلة وبصوت عال تهدد بحق انتهاك الشرعية الدولية، التي تعد أحد المطالب والركائز الأساسية للشعوب. فهل تستوعب دوائر صنع القرار في دول الخليج والمجتمع الدولي الأخطاء الكارثية الناتجة عن هذه السياسة الهادفة إلى تغييب وتهميش شعب عربي صاحب قضية عادلة وصاحب المصلحة الحقيقية ؟ أكيد ستأتي النتيجة الحتمية التي ستفرضها المتغيرات الجديدة فالمصالح والنفوذ بين الدول والشعوب تسير بتأثير أهدافها التي لا تعلنها كلَّها أو على الأقل الرئيسة منها لتمريرها. الجنوب اليوم تحت الأنظار أكثر من أي وقت مضى بل سيكون وسط العاصفة المتعددة الجوانب :
أولاً: مخاوف دول الإقليم ( دول الخليج) والقوى العظمى من بروز (القاعدة ) ومحاولة سيطرتها على الجنوب.
ثانياً: هيمنة نفوذ ومصالح قطبي العالم الرئيسين: روسيا وأمريكا وانتعاش قوى دولية أخرى مثل القطبين الروسي والصيني الموالين لإيران، وصعود دول جديدة إلى العلاقات الدولية كالبرازيل والهند وإيران، فالصين تتبع روسيا، وبريطانيا وفرنسا وألمانيا إلى جانب أمريكا، ولن نغفل عن امتداد النفوذ الإيراني إلى اليمن ودعمها للحوثيين فكلاً منها يستطيع تعطيل مشروع قرار فلا يخرج من مجلس الأمن،
ثالثاً: فيما يخص القوى المتصارعة الحاكمة في اليمن والجدل الدائر حول خيار الجنوبيون في استعادة دولتهم نجد أن الحجة الرئيسة التي تساق لديهم لعدم تبني هذا الحل هي أن الغالبية العظمى ترفضه. فيتبين ديماغوجية وفصام هذه القوى فبالرغم من المأزق السياسي الذي يعيشه الشعب شمالاً وجنوباً إلا أن تلك القوى لم تتوقف عن تسويق الحجج الواهية لاستمرار التمسك بعدم تمرير هذا الحل العادل لإنهاء أزمة اليمن، بذلك تسهم بقوة بتشويه وعي المجتمع اليمني وإدخاله بجوهر الصراع، وبحقيقة ما آلت إليه الأمور اليوم. وعليه حتى يصل الجنوبيين لاستعادة دولتهم، سيوضع على عاتقهم أسئلة كثيرة وأهمها : هل للجنوب موقعًا متقدماً في إستراتيجية الدول الكبرى ؟
من الحقائق الملموسة التي يعلمها الكل أن استعادة دولة الجنوب خاصة في الوقت الراهن ومع وجود عدد من الأزمات التي تهدد السلم العالمي سيساهم بإنهاء هذه الأزمات وسيكون له موقعاً متقدماً في هذه الدول ــــ مكانة الجنوب الاقتصادية وامتلاكها لأهم موقع استراتيجي في المنطقة، ففيها باب المندب وهو ثالث أهم مضيق في العالم حيث يبحر منه ثلاثة مليون برميل نفط يومياً ـــــ وجود الاحتياطات الهائلة من النفط، فضلاً عن عوائد تصدير النفط، وأيضًا الثروات الهائلة التي تحتاجه بشدة الدول الكبرى من أجل امتصاص النقمات الشعبية داخل أنظمتها.
وأخيراً :الجنوب كان ولا يزال وسط العاصفة وشد الحبال بين قوى الدول الكبرى وحلفائها في المنطقة، وكلاً منها مع من يلبي مصالحها ويدور في فلكها السياسي.