الممارسات التي حدثت منذ مطلع العام 2012 خنقت العملية السياسية والمبادرة الخليجية وكل الجهود التي بُذِلت ، حيثُ قامت تلك القوة المتحكمة بالمشهد بتحويل كل شيء لورث حقيقي لها لا ينازعها فيه أحد ، ولم تنج من جنونها وجهلها وجشعها حتّى مؤسسة الرئاسة ووزارة الشؤن القانونية اللتان أصبحتا مجرد سكرتارية وشؤن قانوينة تطبع قرارات التعيينات والإقالات بموجب توجيهات قوى( الثورة ) المالك الحصري للكعكة ، وكأنها تابعة لمكتب حميد في سبأ فون ، أو غرفة جانبية في قصر جلال هادي وغيرهما، ممن ذهبوا بالبلد في نهاية الأمر إلى غرفة انعاش بنعمر المُعدّة سلفاً. على الجميع أن يعترفوا بأن كمّاً هائلاً من المخالفات والتجاوزات والاقصاءات والصبيانيات والعنتريات مُورِست من قبل بعض الأطراف التي ادّعت الشرعية الثورية ، فيما كانت قد اقدمت على جريمة اغتصاب الثورة في مهدها، هذا إذا سلّمنا إنها ثورة، والحقيقة إنها كانت تقليد ، وفي أحسن الأحوال حركة شعبية مطلبية.
المهم كانت ممارسات أدعياء الثورة، للأسف، مدفوعة في غالبيتها بالطمع وغريزة الانتقام والجهل والغباء والشراهة في الاستحواذ والنفي والمصادرة، وتحديدا من قِبل التجمع اليمني للإصلاح واجنحته القبلية والعسكرية ، الذين مارسوا كل صور التنكيل والغرور والفساد والهمجية بحق الوطن والشباب ومن يعتقدون إنهم خصومهم وأعداؤهم اللدودون، ( المؤتمر وقيادته ) مع إنهم كانوا نعم الشريك الطيب والصديق المتسامح ورفيق الدرب الكريم حيثُ كان المؤتمر الشعبي العام ، وما يزال ، حزباً مفتوحا ومنفتحاً ، متعايشا مع الكل، يقبل بالجميع ولا يضيق صدره بأحد، إلا في ما ندر..
ونظراً لهذا الصدر الواسع للمؤتمر ، كان الإصلاح يرتّب ويستفيد من كل الامتيازات والكرم المؤتمري وكرم الدولة تجاهه ، ولم يفوت مثل هكذا فرص وبيئات تسمح لفطرياته وعناصره بالتّكاثر والانتشار والتكسُّب على مختلف الأصعدة، مُستغلاًّ هذا الوضع بكل ما اوتي من طاقة ووسيلة وعلى مختلف الجوانب، حيثُ عمل على التواجد سياسيا وماليا ،واشترى ، بأموال الشعب، ولاءات المشائخ وغيرهم عن طريق " اللواء " وشيعته ،وهكذا كونوا امبراطوريات مالية وتجارية وقبلية وعسكرية ضخمة، ولم يسلم منهم حتّى التعليم العام والجامعي ، الرسمي والخاص ، فقد سيطروا على معظم مدارس التعليم الأهلي والجامعات الأهلية - أيضا - وحتى الاتحادات الطلابية والنقابات في الجامعات.
ودسّوا أنوفهم وكوادرهم في كل مرافق الدولة الحسّاسة وقد اتضح ذلك جليا خلال أزمة 2011. ومع هذا لم يراعوا معروفا ولا قيمة من قيم الوفاء مع المؤتمر وقيادته ،ليكشّرواعن أنيابهم بكل بجاحة وعدوانية في وجه المؤتمر وقيادته وكفروا بكل فضيلة ونعمة أولاهم إياها، لدرجة إنهم فتحوا في عهده فروعا لمكاتب الإخوان في صنعاء وغيرها لجمع الأمول وممارسة الأنشطة تحت مسميات عدة كجمعيات ومراكز دعوية وإغاثية ومكاتب مقاومة إسلامية وغيرها ..
حتّى ذقونهم بدّلوا أشكالها وغيروا صبغاتها، فبدلا من صبغها بالحنّا ، كما كان معروفا عنهم ، تأسيّاً بسنّة الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) صبغوها بصبغة حمراء وشقراء وبرتقالي وأصفر وما إلى ذلك ..
ما أريد أن أصل إليه هنا هو إن إخواننا " الإخوان " اتوا بما لم تأته الأوائل، وتفردوا بالإمور ووظفوا كل شيء لمصلحتهم بما فيها خُطب الجوامع والساحات وارعدوا وأزبدوا ضد النظام البائد وكل من خالفهم ويخالفهم الرأي ولم يكونوا يتردّدون في اتخاذ قرارات إنفرادية ، مخالفة تماما لنصوص الدستور والمبادرة
الخليجية وآليتها التنفيذية وحالة الوفاق ،راافعين أصواتهم وهنجمتهم لآخر نمرة، وفرضين أفكارهم واجندتهم بالقوة في كل مرفق ، حتّى في مؤتمر الحوار الوطني، وهيكلة الجيش والأمن وفي جميع التعيينات على مستوى الداخل والخارج ، حيث عينوا عشرات الدبلوماسيين ورئاسات الملحقيات الإعلامية والثقافية والاقتصادية والعسكرية في عشرات السفارات ، ناهيك عن نوعية خطابهم الجنائزي المتعالي على الناس وتحقيرهم ومحاولات إذلالهم في كل مكان.
لقد نسوا تماماً إنهم في حالة وفاق والبلد بحاجة للشراكة والتواضع لبعض كي تخرج من الأزمة الطاحنة التي خلقوها ، إلى أن وصلوا بالبلد وبأنفسهم لطريق مسدود ، لدرجة إنهم رفضوا طوال سنوات سلطتهم مجرد الحديث عن أي مقترح يطرح لتغير العميد المرحوم حميد القشيبي ،أسوة بجميع قيادات الأولوية التي كانت في منأى عن نفوذهم وتآمراتهم ، أو كانت مستهدفة قبل وأثناء أحداث 2011 وخاصة ممن وقفت في صفّ الشرعية الدستورية، فكل تلك القيادات تم إقصاءها أونقلها لوحدات أخرى ، فيما ظلوا متمسكين بالقشيبي ، ومن نائبات الدهر عليهم وعلى البلد عموما إنهم اضافوا له محمد حسن دماج الذي كان يغير باليوم الواحد وبشخطة قلم (30) مدير عام لصالح ( الثورة المباركة).
المهم ارتفع منسوب الجنون ، سيما بعد أن اكتشف الناس والعالم حقيقته وإ إنه تم في عهدهم سرقة،أكثر من (7) مليار دولار مساعدات خارجية وغيرها ، وهكذا أشتدّ الحبل يوما عن يوم ، إلى أن انقطع وسقطوا الأخوان وسقطت معهم مؤسسات الدولة ..
اليوم جماعة أنصار الله نخشى من أن يذهبوا بالبلد ، ليس لطريق مسدود وحبل جديد في طريقه للانقطاع ، فحسب ،إنما لمثلث شبيه بمثلث برامودا ، يبتلع البلد بكل ما فيها ..
أضيف وأقول : إن أي قرارت تُتّخذ ولا تحظى بالحد الأدنى من حالة التوافق ومصلحة البلاد ومشاعر معظم اليمنيين، ولا تراعي - أيضا - موقف المؤتمر الشعبي العام ، كونه الحزب الأكبر والأوسع والأكثر قبولا ، فإن الأمورلن تسير في صالح أنصار الله أو غيرهم .. كما إن أي هروب من البرلمان ، أو الذهاب
لإعلان دستوري وتشكيل مجلس رئاسي مثلما نسمع ، سيكون قاتلا للوحدة ودستورها، ولن يكتب له النجاح ، ويا ليت وإنه سيعود بنا لنقطة الصفر فقط ، بل قد ربما نرى نقاطا وأصفارا وجغرافيات وخرائط وعوالم أخرى لا نفهمها ولا نستطيع أن نتحرك فيها أو نتهجاها ..
من يدري ، لا نتمنى ذلك ، وما نتمناه، صادقين ، هو التعقل والتوافق وعدم تعاطي أي كمية كبيرة من البسباس والفحسة الحارة في وجبات طعام الجميع ،خاصّة خلال هذه الأيام الحساسة والحرجة من تاريخ الشعب اليمني.