الأزمة السياسية التي تمر بها مصر هي نتيجة صراع سياسي بين القوى السياسية الإسلامية من جهة وبين التيارات الليبرالية من جهة ثانية وما حدث هو انقلاب عسكري واضح ولا لبس فيه وان القوى التي تقف في وجه القوى السياسية الإسلامية هي التي وفرت المعطيات للانقلاب وهيئت الدعم السياسي واللوجستي لتمرير الانقلاب على شرعية الرئيس المصري المنتخب الدكتور محمد مرسي
بعيدا عن العاطفة والشعارات وحشد الجمهور بمختلف أنواعه لتأييد الإخوان وان كان حقا علينا تأييدهم بكل الوسائل المتاحة ، لكن هذا لا يعني تجاهل ان هناك مشكلة وان هناك أزمة ثقة يواجهها الإخوان والقوى الاسلامية نتيجة التعبئة الإعلامية والسياسية ضد هذه القوى من السلطات المصرية لاكثر من خمسة عقود
الواقع والتاريخ النضالي للقوى الإسلامية وتحديدا في مصر لم يتاح لها حرية ممارسة العمل السياسي اطلاقا ولم يتاح لهم انشاء أحزاب سياسية او منظمات مجتمع مدني خاصة بهم تربطهم بالمجتمع والقطاعات الهامة في المجتمع وكل ما كان متاح لهم هو العمل وفق مجموعات فردية بشكل سري وكانت الملاحقة والمراقبة والسجون هي النتيجة التي تتعامل معهم السلطات واجهزتها الامنية والاستخبارية
الحرية التي جاءت كثمرة نضالية لثورة 25 يناير وضعت التيارات الاسلامية امام واقع مفاجئ ومختلف ووضعتهم امام استحقاقات جديدة سواء على مستوى البناء التنظيمي الداخلي او على مستوى العلاقات مع الاخرين بمؤسسات الدولة المختلفة او منظمات المجتمع المدني او الشرائح والطبقات الاجتماعية
التيارات الاسلامية في مصر وخاصة جماعة الاخوان المسلمين لم يكون لهم رصيد من الخبرة العملية التي تؤهلهم للحكم وممارسة السلطة وقرار مشاركتهم للدخول في الانتخابات الرئاسية كان قرارا يفتقر للرؤيا السياسية الدقيقة ويوصف بانه قرار استعجالي بني على معطيات محدودة اكثر هذه المعطيات هو الاعتماد على نتائج انتخابات مجلسي البرلمان والشورى ومكاسب الفوز التي تحققت لهم اضافة الى النشوة الجماهيرية التي سيطرت على الشارع كرد فعل لثورة 25 يناير
دخولهم الانتخابات الرئاسية دون دراسة واقعية للرأي العام والقوى الفاعلة التي تقف امامهم على المستوى المحلي والقوى الاقليمية والدولية التي يجب عمل حساب مواقفها ودورها فيما بعد ، دخول الاخوان الانتخابات الرئاسية بشكل مباشر وفوزهم هو الذي حفز القوى المحلية والاقليمية والدولية للعمل ضدهم لان القناعات والصورة المرسومة عن التيارات الاسلامية هي صورة قاتمة وكان الاولى بهم تحسين هذه الصورة اولا
المحنة التي تمر بها القوى السياسية الاسلامية المصرية والانقلاب عليهم عسكريا يفرض على هذه القوى التعامل مع هذا الحدث بنوع من الحكمة وعلى التيارات الاسلامية والاخوان المسلمين تحديدا اعتبار ما حدث محطة للتقييم والمراجعة واعادة التصورات السياسية وان يقوموا بمراجعة شاملة من اجل الحفاظ على الهامش السياسي للحرية
قيام الاخوان بحشد جهودهم وطاقاتهم السياسية والتنظيمية والجماهيرية من اجل استعادة الشرعية - برأيي – هو تعطيل لقوتهم البشرية والمادية وتضييق على مساحة وجودهم ككيان سياسي قانوني وعليهم ان يتعاملوا بذكاء سياسي يعتمد على العلاقات مع الاخرين والواقع بفرض عليهم اختراق الحاجز المرعب الذي يحول بينهم وبين خصومهم
القوة والمال والاعلام من اهم المقومات العملية لاي سلطة سياسية وهذا ما كان يفتقد اليه الاخوان المسلمين في مصر ، القوة ضرورية ومهمة للحفاظ على هيبة الدولة وتنفيذ برنامج الحكومة والقوة ليس من الضروري ان يكون الجيش هو مصدر هذه القوة منفردا والقوة يجب ان تشمل الجيش والامن والاجهزة الامنية والشرطية واجهزة الاستخبارات اضافة الى وجود عناصر هذه التيارات ضمن مؤسسات الدولة وخاصة المؤسسات الحساسة مثل القضاء والاعلام والمؤسسات المالية والدبلوماسية والرئاسة وغيرها ، الاخوان والاسلاميين في مصر لا يوجد لهم أي وجود في هذه المؤسسات
المال : بالنسبة للمال هو اهم شريان للعمل والمنافسة والمال الخاص للتيارات الاسلامية المصرية قد يكون متوفرا بحدود معقولة ولا يصل الى درجة تحقيق الامان الكامل لعدم وجود مؤسسات انتاجية وايرادية واضحة وبعيدة عن الرقابة الحكومية التي تهدد وجود هذه المؤسسات لكن من ناحية عملية التيارات الاسلامية لها اساليبها وطرقها الخاصة بتدبير الدعم المالي الخاص لتياراتهم ، المشكلة تكمن في القوة المالية للدولة في حال انهم التيار الحاكم مثل الوضع الذي كان عليه الاخوان والتيارات الاسلامية المتعاونين معهم اثناء حكم الرئيس محمد مرسي الذي واجه مشكلة تجفيف شبه كامل للايرادات التي كانت تعتمد على موارد السياحة والضرائب والصناعة والتصدير وحركة الاستثمارات الجديدة وغيرها مثل المنح والقروض والمساعدات الخارجية عربية واجنبية ، الموارد المالية في عهد مرسي توقفت عن الضخ وكان امام السلطة الحاكمة هو الاعتماد على الذات وعلى الاحتياطي النقدي والاعتماد على الاحتياطي لتسيير الحكومة والوفاء بالالتزامات الضرورية من النفقات يؤثر على المركز المالي للدولة وهو ماحصل بالفعل
الاعلام : يعتبر اهم مقومات السلطة الحديثة وهو الوسيلة التي تقوم بتوجيه الرأي العام والاخوان كانوا لا يمتلكون الوسائل الاعلامية الكافية لمواجهة الاستثمارات الاعلامية التي انشئت للعمل ضدهم وعمليا تفوقت الجبهة التي تقف ضد الرئيس مرسي وتيار الاخوان وانطلقت جبهة المعارضة من مساحة الحرية التي وفرها مرسي لتعمل ضده وهدم سلطته حجرا حجرا اضافة الى المؤسسات الاعلامية الحكومية هي الاخرى تخندقت ضد الرئيس مرسي وساهمت بهز ثقة الرئيس وشوهت صورته كحاكم
الاخوان في مصر اثناء رئاسة الرئيس مرسي واجهت تعنتا محليا واقليميا ودوليا وكان هناك اصرار على معاقبة مصر الجديدة وخنقها ماليا وقد رأينا كيف تدفقت السيولة النقدية والمساعدات بعد اعلان الانقلاب بساعات ، وراينا كيف اختفت مظاهر ازمة المواد البترولية وازمة الكهرباء رغم عدم وجود وزراء لهذه الوزارات ، الاخوان واجهوا حربا حتى من الاشخاص الذين اعتمدوا عليهم وشاركوهم بالسلطة
سلطة الرئيس مرسي ومن ورائه التيارات الاسلامية التي كانت داعمه له وسببا لفوزه بالحكم كانت تفتقر لرؤية واضحة لادارة الدولة وكانت رؤيتهم تكتفي بالاعتماد على الولاء دون وجود عوامل مساعده اخرى ، وزراء الدفاع والداخلية والكهرباء والنفط والمالية والخارجية وغيرها من الوزارات السيادية والخدمية كانوا ظاهريا منسجمين مع الاخوان والرئيس ونتيجة افتقار الاخوان لكوادر داخل هذه الوزارات تم التخطيط لمؤامرة افشال الحكومة على مختلف الجوانب وكان الشيئ الوحيد والمتجدد هو التهاب الشارع بالمظاهرات والمسيرات ضد الحكومة والرئيس مرسي
لو كنب لقيادة الاخوان واتخذوا قرار بعدم الدخول للحكم بصورة مباشرة ولو لفترة رئاسية واحدة وشاركوا بصورة اخرى عن طريق اختيار شخصية يضمنون ولائها بنسبة ولو معقولة كان سيتحقق لهم مكاسب كثيرة على مستوى اعادة البناء والوجود في اجهزة السلطة الرسمية المختلفة وكانوا سيدركون مواقع الخلل والنجاح من خلال مشاركتهم في السلطة دون الرئاسة
افتقار وجود عناصر الاخوان في اجهزة الدولة المختلفة هو الذي ساهم بمنح الجبهة التي تقاوم وجودهم في السلطة دون أي عراقيل بل ان مخططات المؤامرة تم اعدادها دون ان يعلم الاخوان بأطرافها وتفاصيلها وهذا ناتج عن عدم وجود عناصر وكوادر تتبعهم ضمن هذه المؤسسات
الاخوان اليوم امام مرحلة هامة يجب ان تكون النكسة التي لحقت بهم قاعدة انطلاق جديدة للبناء واعادة التقييم والمراجعة بشكل موضوعي ومهني ومن الخطأ استمرارهم وراء استعادة الشرعية وحرق كل امكاناتهم المادية والبشرية في سبيل هذا الهدف يجب عليهم ان تتعدد انشطتهم وان تكون هناك مسارات متعددة على مختلف الجبهات وان يقوموا بإعادة بناء المقومات الضرورية للسلطة وان يخترقوا كل الحواجز التي تقف امامهم محلية واقليمية وان يضعوا امامهم اهداف استراتيجية لبناء الثقة مع الاخرين في الداخل والإقليم والمجتمع الدولي وتغيير الصورة هو اهم ما يجب عليهم القيام به
المرحلة بحاجة الى اعتماد العقل والمنطق والخطأ هو الاعتماد على تأييد الجماهير في الشارع لأنها في الأخير وسيلة من وسائل دعم الوجود ، الخروج من الأزمة يفرض مغادرة نسبة كبيرة من العواطف والشعارات التي تتحكم بهذه المرحلة والسياسة دائما لا تتوقف عند مستوى معين وثابت من مواقف الرفض والقبول ، السياسة الناجحة هي التي تتأقلم مع المتغيرات والمستجدات وتنجح اكثر حين تحول مخطط الحاق الهزيمة بها الى مخطط للنجاح