إلى أين يسير اليمنيون ، في ظل انسداد الأفق السياسي والهروب للإمام والسقوط للمحذور ، بضعة أسابيع واليمن بدون رئيس ولا حكومة بل أن الرئيس التوافقي واغلب وزراء الحكومة وأعضاء البرلمان تحت الإقامة الجبرية ، متزامنا مع حروب في كل مكان وتهديد بفتوحات قادمة ، يصنعون الكراهية بامتياز وتتوسع هوة الخلاف والاختلاف بين أبناء الشعب الواحد متزامنا مع حروب وفتوحات لا تنتهي ، يفوح منها رائحة طائفية نتنة ، فالحرب تشتعل في كل بقعة في اليمن الجديد بحجة مقاتلة (الدواعش) و(التكفيريين ) تحت راية الصرخة ولعن أمريكا وإسرائيل ، وبرغم انتشار وسائل الاتصال الاجتماعي وتيسر المادة الإعلامية عموما بأكثر من شكل وبأيسر السبل لأغلب سكان اليمن ، إلا أن اليمنيون لم يستفيدون من تدفق المعلومات المتضاربة والمتناقضة وغدا في حيرة من أمرة ، بل غدت سهام ورماح لنشر ثقافة الكراهية ، لان الآلة الإعلامية بيد جهتين مسيطرتان على المشهد السياسي هما زعيم الفساد والانقلابيين ، واللافت إنها مؤخراً نُمطت بلون واحد لا طعم لها ولا رائحة ، اليمن يعيش وضع شاذ كما قال الدكتور الارياني ونعيش في ظرف استثنائي يختلف عن كل بلدان الربيع العربي ، شبح اقتصادي وفترة من الفاقة والعوز تلوح في الأفق ، تناقضات المشهد السياسي اليمني غداة الربيع العربي جعلت المبعوث الاممي جمال بن عمر يعلن فشله بعد 37 زيارة وبعد خرا ب البصرة !
واكتشف اليمنيون مؤخرا بأنهم مخدوعين بالمجتمع الدولي فالأمم المتحدة غير متحدة على الأقل في الحالة اليمنية التي أعيت مواطنيها. في المشهد اليمني لا يمكنك أن ترى كل أمر أو إشكال من زاوية واحدة، بل عليك أن تتفاجأ كل يوم بزاوية جديدة لكل قضية. فهي تجمع فقر الصومال، وطائفية العراق، وتنظيمات سوريا، وقبلية ليبيا، ولعبة العسكر والإخوان على الطريقة المصرية. وإضافة إلى كل ذلك، فهي تشبه لبنان كساحة يتصارع فيها الأقوياء في الإقليم الكبير، وإن بصورة أقل.
الا يدرك هؤلاء بأننا نعيش في العقد الثاني من الألفية الثالثة وليس في القرون الوسطى ، فلا مكان للإسلام السياسي بشقيه في هذا الزمن ، و يبدو أنهم أتوا في الزمن الخطاء وعند شعب أخطاء التقدير ، فلن يستقر اليمن إلا بتوافق كل ألوان الطيف السياسي بعيدا عن منطق القوة والغلبة والأستقوأ بالخارج ، الذي خذلهم فبعد إعطائهم الضوء الأخضر انقلب الخارج الإقليمي والدولي عليهم بالمقاطعة والعزلة السياسية فلماذا لم يهددوا او يلوحوا بتلك العواقب مسبقاً ؟
وعندما يحكم الاستبداد لعقود ولم يؤسس لدولة المدنية النتيجة تكون فوضى خلاقة وتعقيدات متداخلة تماما كما يحدث اليوم في المشهد السياسي اليمني ، وسوا حكم الحوثيين منفردين او مع شريكهم الذي فتح لهم أبواب السلطة اي ( المؤتمر الشعبي) وهو حزب الرئيس صالح الذي ترك الحكم مجبرا حسب المبادرة الخليجية ولكنه لازال مسيطرا على الدولة العميقة ، او حتى بمشاركة (ترويكا) متوقعة تتمثل في ( أنصار الله ، المؤتمر ، المشترك) وقد يعتذر بعضهم بينما سيلهث آخرون وراء المناصب ، وبداهة لن تكون الطريق مفروشة بالورود للحكومة الجديدة والتي قد يكون بعض من أعضائها من حكومة الكفأت التي أستقيلت بناء على معطيات معروفة أعقبها الرئيس التوافقي ، ستكون حتماً عناصر كفؤة بقيادة منقسمة وسلطة هشة يتربص كل منهما بالاخر ، فالإشكال ليس في نوعية حكومات (التكنوقراط) مشكلة اليمن في قيادات النُخب ، ومن هنا فالصراع والحسم النهائي مؤجل وهي عادة ساسة اليمن يرحلون مشاكلهم ، ابرز ما سيواجه الحكومة الجديدة هي الأعباء الاقتصادية المتفاقمة ومحاولة إعادة ثقة المجتمع الدولي والخليجي تحديدا فكسب الاعتراف الدولي مجددا ليس بالأمر السهل وكذلك إعادة التمثيل الدبلوماسي لكلا الطرفين اليمني والدولي بعد مغادرة عدد من السفارات العربية والخليجية والأوروبية والاتحاد الأوروبي وأمريكا ، في سابقة لم يعهدها اليمن من قبل ، علما بأن اليمن بدون تمثيل سياسي كامل خارجيا لنحو ثلاثة سنوات ، لاختلاف الفرقاء ، ناهيك عن حصار اقتصادي وتعليق خطوط جوية عربية رحلاتها لليمن ، ستتكبد الحكومة الجديدة لاشك أعباء جسيمة بالنظر لحاجتها لاستمرار الدعم الخارجي للمانحين في ظل ظروف اقتصادية جسيمة ، الأمر الآخر هو مواجهة تحدي الوضع الأمني المتدهور واحتمال نشاط القاعدة على خلفية الحروب والفتوحات المستمرة للمليشياء الحوثية والتي لم تسيطر حتى اليوم سوى على ربع مساحة اليمن وست محافظات من ضمن عشرون محافظة بينما ثلاثة اربع السكان خارج سيطرة الحوثيين ، ومن هنا فكيف سيكون سيطرة الدولة المفترضة المنقسمة الولآت على بقية إنحاء اليمن، ومحاولة السيطرة الكلية من هذه الميليشياء الصاعدة يعني على الأمد البعيد إزاحة شريكهم الآخر بنية مسبقة وعليه فأن سؤ النوايا ستكون سمة النظام الجديد المسخ الذي سيولد من رحم الغدر والمعاناة والتدليس على الشعب ، ليتم فرض حلولاً مؤقتة وزوجاج متعة على الطريقة الايرانية لان كلا الطرفان غير مرحب بهما شعبيا أصلاً ، فمنطقيا كيف يتحالف من يسمون أنفسهم بأنصار الله مع من شن عليه ستة حروب عبثية ظالمة وقتل السيد حسين الحوثي ، ومن جهة أخرى كيف يتنازل هؤلاء أصحاب المسيرة القرآنية عن مبادئ وشعارات للاستهلاك المؤقت ، وكيف يثقون بمن شنوا عليه حملة اعلامية متزامنا على حوار معه في نفس الوقت وكأن النظام يحاور نفسه كما يحدث في العراق متجاهلين الفاعلين الاساسيين المؤثرين متبجحين بفرض قوة الأمر الواقع ، يتحالفون مع من يسموه عميل أمريكا وهو من استحدث بدعة الطائرة بدون طيار وفتح اليمن على مصراعيها لكل من هب ودب من دول الإقليم والعالم .
وعلى خلفية انسداد الأفق السياسي المرحل والمؤجل جملة من المشاكل الأمنية في كل اليمن ، ولعل أهمها النشاط المحتمل لخلايا القاعدة التي كانت قد تورات في اغلب محافظات اليمن بإستثناء بعض مناطق الجنوب واليوم لها حضور في كل اليمن ، بلينا بقوم يدعون احتكار الدين والحكمة والحقيقة ، ولا يفلح قوم فرض عليهم رؤية أحادية عبر فوهة البندقية ، وطالما ضلت فكرة الاستقراء والغلبة وسياسة فرض الأمر الواقع لن يستقر اليمن بل وسيكون استدعاء للأفكار المتطرفة والقاعدة تحديدا والتي ستلقى حاضنة ، ولنا في تجربة العراق المريرة عبرة وخبرة حيث سيطرت ميليشيا (داعش) لسنوات على ثلثي مساحة ارض السواد ، رغم تكالب القوى العربية وإيران وتركيا واربعين دولة أطلسية ولم تفلح لأن تلك الجماعات المسلحة لقتّ حاضنة شعبية ، ومن هنا نؤكد لا يستقر الحال في اليمن إلا بتوافق كل ألوان الطيف السياسي وبتناغم مكوناته
رغم ان إيقاع الحياة اليومية للبسطاء تسير بعفوية وتلقائية في هذا البلد المنكوب بساسته ، لكن لا ينكر احد من أن اليمن ينزلق للهاوية ، فقد تعود اليمنيون على شظف العيش وعوز الحاجة والانفلات الأمني وغياب الدولة ، ولسان حال اليمنيون ماقاله الشاعر العربي:
ستُبدي لك الايّام ما كُنت جاهلاً ويأتيك بألاخبار منْ لمْ تُزوّد