قلت لكم في مقالي السابق هنا في صحيفة 14 أكتوبر أن عدن هي حاضنة التحولات الكبرى ودائما ما تتنفس في فضاء يتجاوز حدودها المفتوحة على البحر وتجد ذاتها حين تلعب أدوارا عظيمة يتجاوب معها المحيط الإقليمي والدولي.
ها هو الرئيس هادي يكسر طوق الإقامة الجبرية التي فرضتها عليه الميليشيا منذ ما يقرب من شهر فينكسر الانقلاب وتكتمل مقومات انهيار سلطة الأمر الواقع.
ومن مصادفات الأيام أن يكون 21فبراير هو يوم استعادة الرئيس حريته وشرعيته وهو ذات اليوم الذي حاز فيه على شرعية الانتخاب عقب انتصار الثورة الشعبية السلمية وبهذا تتجدد الشرعية رغم أنف الإنقلابيين.
نحن اليوم إزاء فرز طبيعي بالتطور الجديد والأهم والذي سيكون له ما بعده: قوة غاشمة تحتل صنعاء مقابل السلطة الشرعية في عدن، وهذا يعيد الروح ويجدد الحماس ويضخ الدماء في شرايين الشعب المنتفض في كل المحافظات اليمنية الرافض للانقلاب، ولهذا سنلحظ ارتفاع معنويات من جديد في أوساط الأحزاب والسياسيين والمظاهرات في صنعاء وتعز والحديدة وإب وذمار ومباركة مأرب لهذا التطور الجديد، بما يعني عزلة مكتملة الأضلاع للكيان الغير شرعي الذي ولد في صنعاء منذ 21سبتمبر،
وها هو التاريخ يعود من جديد بحماقات هؤلاء الانقلابين، فكما أن الإمام (الجد) عزل البلد عن العالم قبل ستينيات القرن الماضي، هاهو الحفيد اليوم بإصراره على ممارس السياسة بأدوات الماضي كرر المأساة من جديد فعزل صنعاء محليا وإقليميا ودوليا في زمن الإنترنت والتواصل الكاسح.
انتقال الرئيس إلى عدن بعيدا عن قبضة الميليشيا سيكون هذا المكان هو المركز المشروع الذي سيتجاوب معه المحلي والدولي دعما سياسيا وماديا ومعونات اقتصادية وبالتالي ستكون المحافظات المغصوبة بقبضتهم هي المعزولة واقعيا ومفروض عليها من الداخل والخارج إقامة جبرية لن يحررها سلاح أبي علي الحاكم ولا لجان محمد علي الحوثي وأكثر منها خطابات السيد، وهذا سيجر مغتصبها إلى مصير كارثي وعلى نفسها جنت براقش.
في بلد كاليمن لا يستطيع أن يمضي ويستمر في الحياة بمعزل عن العالم ودعمه ومعوناته والتفاعل معه، والأهم في هذا العالم هو موقف الجار الخليجي وخصوصا السعودية ودعكم من انقسام مجلس الأمن والفيتو الروسي الذي قد يمنع الضرر على مغتصب الحكم في صنعاء لكنه يستحيل أن يقدم له العون الكافي لتسيير شئون الحياة باستثناء السلاح ، فهل سيوزع (أنصار الله) الأسلحة الروسية والإيرانية وحتى البضائع الصينية للشعب الذي يبحث عن مرتبات وغذاء ودواء ومتطلبات المعيشة؟!.
هذا ليس استدعاء للخارج، انما هو بحث عن مخرج في ظل واقع شاذ – حد تعبير السياسي المخضرم عبدالكريم الإرياني-، كما أنه لا يعد ارتهانا للتدخل الأجنبي، بقدر ما هو رهان لا يد لليمنين فيه إزاء مغتصب محلي تجاوز كل المحرمات.
يدرك (أنصار الله) أن الإكراه لا يشرعن أي واقع، وأن اليمن المتنوع والمتعدد لن يردد صرختهم بحماس أو خشوع الأتباع، وبالتالي لا مناص من التوافق للخروج من هذه الورطة التي وضعوا أنفسهم فيها وأوصلوا الوطن كله في مستنقعها.
لابد أن يتوقف الحوثي عن عجرفته ويقر واقعيا بشراكة الآخرين ومن أولويات هذه الشراكة أن يتخلى عن السلاح أولا، وأن يسحب ميلشياته من مؤسسات كل اليمنيين ومدن الشعب اليمني.
أي شراكة هذه بينما أنت تصوب سلاحك في رؤوسنا، وتخنق الانفاس وتطارد أصحاب الرأي وتقتل وتفجر المنازل وتجتاح المدن ؟!.
على الحوثي ثانيا أن يقدم نفسه كموكن شرعي تحت لافتة سياسية أو خيرية أو حقوقية أو حتى فكرية، لأن (أنصا ر الله) في الوقت الحالي لا تمثل شيئا مشروعا من أي نوع باستثناء الإكراه المحرم في ديننا والغلبة المرفوضة في عرفنا.
نعلم أن هناك أدوات وأيدي - قوى الشر- حد تعبير الرئيس هادي- ستتحرك في عدن حاليا في محاولة منها لإرباك الوضع الأمني وسنسمع أحداثا مختلفة هنا وهناك لكنها لن تحقق أهدافها المشبوهة بكل تأكيد.
وأخيرا واجب الرئيس هادي أن يلعب من عدن الدور المنتظر منه استجابة لكل هذا الحراك الشعبي والسياسي والرغبة الإقليمية والدولية، لأنه خيار الأمل الوحيد لدى غالبية اليمنيين أمام قوة انقلابية غاشمة وماضوية آن لها أن تغادر مدننا وتخرج من حاضرنا ومستقبلنا وتعود إلى نطاقها الجغرافي الضيق حيث الكهوف وتنقرض كما انقرضت كل الكائنات الغريبة التي وجدت ظروف البيئة لم تعد تشبهها ويستحيل ان تحيا في عالم متغير يتصادم مع ما تحمله من فكر ووسائل عفى عليها الزمن.