وصول وزير الدفاع اللواء محمود الصبيحي الى عدن ساهم في تعميق الأزمة لكنه قد يساهم في حلحلتها أيضاً، يحظى الصبيحي باحترام الكثيرين في الشمال قبل الجنوب، وقد يكون وجوده بالقرب من الرئيس مفيداً في تصويب الخيارات التي يتخذها هادي المحاط بنفس المستشارين والشلة الفاسدة التي سببت له وللبلد الكثير من الكوارث.
كما أن خروج الصبيحي من صنعاء ووصوله الى الجنوب سيجعل أنصار الله يفكرون مئة مرة قبل الشروع في أي تصعيد عسكري أو مغامرة تتجاوز الحدود الشطرية السابقة، فالصبيحي كان في الطرف الآخر عند وقوع حرب 94م بعكس الرئيس هادي، وهنا تكمن أهمية الصبيحي وثقله داخل الجنوب على مستوى رجل الشارع وفي أوساط العسكريين بالذات والذين يشكلون جزء مهم من قوام اللجان الشعبية في الجنوب.
***
توازن القوة قد يصنع السلام، ذلك ما راهنت عليه عندما كانت المعركة في عمران، للكن للأسف فان الطرف الذي كان في مواجهة أنصار الله وقتها رفض الحلول السلمية والشراكة الحقيقية مع أنصار الله وتمسك بكل السلطة واعتقد أنه سينتصر، فكُسر واختل ميزان القوة لصالح أنصار الله مما أدى الى فرضهم لخيارهم الأحادي بقوة السلاح ومنطق الغلبة، ومن هنا أدعم معسكر الرئيس هادي وأفرح كلما انضم له شخصيات وطنية نزيهة أمثال اللواء الصبيحي لتخفف من سيطرة الأجنحة الانتهازية التي تحيط بالرئيس وتعتبره خزينة مالية يتم الاستفادة منها فقط، فالصبيحي سيزيد من توازن القوة بين الرئيس وتحالفاته السياسية والمجتمعية من ناحية وبين أنصار الله وتحالفاتهم السياسية والمجتمعية من الناحية الأخرى.
أتمنى أن يساهم توازن القوة هذه المرة في صناعة السلام لا في الاتجاه الى الحرب، التي وان تمكن أحد أطرافها من الحسم فيها فانه سيكون حسماً وهمياً مشابهاً للحسم الذي حصل في 94م وأدى الى الحال الذي وصلت اليه البلد اليوم.
***
على أنصار الله أن يدركوا أنهم لن يتمكنوا من حكم اليمن بمفردهم ولا عبر تحالفاتهم الصورية مع بعض الأحزاب أو الشخصيات الغير فاعلة في مناطقها، وليسوا في حاجة الى تكرار تجربة الرئيس السابق صالح والإخوان والرئيس هادي في الحكم من خلال تحالفات صورية وفي الأخير سقطت تلك الورقة أمام الاستحقاقات الحقيقية للقوى التي على الأرض.
ومن هنا فان "الشراكة الحقيقية" لا "الشراكة في الصورة" هي المخرج الآمن لليمن من أزمته الحالية التي قد تؤدي الى انزلاقه الى سيناريو مشابه لما هو حاصل في سوريا أو العراق، وفي أحسن الأحوال لما هو دائر في ليبيا.
أتمنى كذلك أن لا يكون دور الصبيحي في عدن مشابهاً للدور الذي منحه أنصار الله في صنعاء، فكما لم يقبل الصبيحي أن يكون دمية في صنعاء لم يقبل أن يكون دمية في عدن، ومن هنا يجب أن يكون فاعلاً في القرار وشريكاً للرئيس هادي، واذا ما وضع الرئيس الصبيحي في نفس الموضع الذي وضعه أنصار الله فان الرئيس سيسير بعدن الى نفس المصير الذي أوصل صنعاء اليه، ولن يعدوا دور الرئيس هادي الا كذريعة، يلاحق أنصار الله فشله أينما ذهب لكي يملؤوا الفراغ الذي يحدثه تخبطه بسبب مستشاريه وشلة الفساد المحيطة به التي تقف عائقاً بينه وبين أي إصلاحات، وتقف كذلك عائقاً بينه وبين مختلف التيارات السياسية حتى داخل الجنوب، وتستجر صراعات ماضوية بين الطغمة والزمرة.
***
أمام اللواء الصبيحي فرصة تاريخية ليشكل عامل توازن، وأمام هادي فرصة ليستفيد من شعبية الصبيحي في الشمال قبل الجنوب وامكاناته.
على الرئيس هادي كذلك أن يعي أن لا فائدة من مراهنته على الخارج، فيكفيه مراهنته السابقة التي أوصلته الى أن يصبح هو رهينة في صنعاء، ولا مشكلة اذا استعان بالعامل الدولي لكن بشرط أن يكون ذلك بهدف المساعدة في الوصول الى حل سلمي للأزمة عبر شراكة حقيقية لا الى ادخال اليمن بشكل أكبر في صراع المحاور المحتدم في سوريا والعراق الآن.
تصلب الرئيس –أو أنصار الله- ورفع السقف من لديه سيعيق أي حل، ومن هنا لا بد من تنازلات مؤلمة من الطرفين لكي ينجو اليمن، ولا أعتقد أن أياً من الطرفين لا يحب هذا البلد لكي يواصل المقامرة بوحدته وأمنه واستقراره وتماسك نسيجه الاجتماعي، لا أملك الا الأمل والمراهنة على حسن نية الرئيس هادي وقائد أنصار الله عبدالملك الحوثي، وأتمنى أن يكونوا عند حسن ضننا جميعاً.
صحيفة الأولى"