الحرية والكرامة هدف نبيل يسعى إليه الأحرار الأبرار وصانعوا الأمجاد من خيرة أبناء الأمة، ومن أجل ذلك يجودون بأعز ما يملكون؛ (والجود بالنفس أقصى غاية الجود)، وكذلك كان أبطال جمعة الكرامة في الثامن عشر من مارس 2011م، الذين خرجوا يطالبون بالحرية والحياة الكريمة لشعبهم، فلم يحتمل الأشقياء رؤية نبلهم وسمو هدفهم ونقاء طويتهم، فأفرغوا حقدهم وطغيانهم رصاصاً في أجساد أولئك الشباب العظماء، ليكتب التاريخ ملحمة عظيمة للبطولة والفداء، ويرسم صورة جديدة لانتصار إرادة الخير والحق، وانكسار إرادة الشر والباطل!!
ربما ظن القتلة أنهم قد نجوا من سيف العدالة، وأن فعلتهم سيطويها النسيان، لكن عدالة السماء لن تتركهم، وستظل بشاعة الجريمة تطعن قلوبهم، وتشعرهم بالدونية والصَّغار، أما الشهداء والجرحىٰ والمعاقون فهم شهود الله في أرضه بأن للكرامة والحرية ثمن لا يقدر على دفعه إلا العظماء الذين ارتضوا أن يكونوا الفداء لشعبهم ووطنهم..
القوة - من غير قيم - همجية تمارسها الوحوش في الغابات، واستكبار يقوم به المستبدون، لكن الأحوال تتغير، والموازين تنقلب، وإرادة الخير هي المنتصرة، فلا يدوم غير العدل، ولا يسعد الناس إلا بالتعايش والإحترام المتبادل وإيصال الحقوق لأصحابها.
شهداء جمعة الكرامة مصابيح لن تنطفئ، وحجة بالغة تدمغ دعاة العنف والاستبداد، وتدعوهم إلى البحث عن سبل العدل والوئام والإبتعاد عن الظلم والانتقام، ومن المؤسف أنه على الرغم من التجارب الكثيرة التي مرت بالشعب اليمني فهناك من لا يريد أن يعتبر، بل يحاول أن يكرر الأخطاء، ويؤجج الصراع ويدعو للفتنة، ويغنّي للحرب، ولا يعلم بأن اقتتال الإخوة يضعفهم جميعاً، ولا يحقق نصراً ناجزاً لأحدهم!!
ما يزال الطيش والهوى والرغبة في الانتقام يسيطر على من يظن أنه يمتلك القوة وأدوات العنف، وهذا اتجاه ذاق اليمنيون مرارته وتجرّعوا الحنظل بسببه، وما لم يصل جميع الفرقاء إلى مرحلة التوقف والتأمل والمراجعة واستلهام حقائق التاريخ فسنظل في دوامة الصراع المؤدي إلى مزيد من الإنهيار والسقوط.
نتمنى - اعتباراً بالماضي وتقديراً لتضحيات الشهداء - أن تسكت دعوات الحرب، وأن يرتفع صوت العقل، ويعلو سوط العدل والإنصاف، ليمضي اليمنيون في مدواة جروحهم وبناء مؤسسات دولتهم عن طريق الانتخابات الحرة والنزيهة وليس بالقوة والعنف، ولن يجدي تعليق فشلهم على تدخل الآخرين بشؤونهم، فهم من يستدعون الخارج، وبتصرفات الحمقى منهم يحركون مخاوف القريب والبعيد، وما لم تتوفر الشجاعة لديهم لأطر الظالم منهم وإجباره على السير في طريق التعايش والمحبة والسلام؛ فستستمر رحلة التيه وإن ألبسوها حُلّة الحوار في الداخل أو الخارج!!
الرحمة والإعزاز لشهداء جمعة الكرامة ولكل الشهداء الأبرار الذين ضحوا بأنفسهم ليعيش شعبهم عزيزاً كريماً، وسيظل حقهم علينا دَيْنٌ واجب الأداء في رعاية أسرهم وأولادهم، ولا نامت أعين الجبناء.