محمد مصطفى العمراني
يبدو أنه قدرنا نحن أبناء اليمن أن نعيش مخاوف الحرب والاضطرابات الأمنية والمستقبل المجهول وأن تطالعنا المنظمات الغربية بدراسات وتقارير مخيفة تحذر من مستقبل قاتم ومصير مجهول ، جبهات مشتعلة في الشمال والجنوب وخطاب رسمي لا يحث على السلام وتصريحات نارية تهدد وتتوعد فكلما خفتت أصوات طلقات الرصاص وهدأت أصوات القذائف وهدير الطائرات والدبابات وهدأت معها النفوس فترة عادت الغيوم لتعكر الأجواء من جديد و"كأننا يا بدر ما رحنا ولا جينا" وكأنها ما جاءت وساطة تتبعها وساطة واتفاق على إثر اتفاق!!
غابت الإرادة الحقيقية للسلام عند كل الأطراف وحضرت لغة المصالح والصفقات السرية والعلنية في ظل غياب الضمانات الحقيقية لسلام حقيقي ودائم بمشاركة كافة الأطراف الوطنية في البلاد .
والحال كهذا نتساءل : هل ضاع صوت العقلاء والعلماء والحكماء في هذه الظروف ؟!!
أين عقلاء اليمن من كل التيارات هل سيتفرجون على البلاد تنزلق في دوامة العنف والحروب الأهلية ؟!!
أين بيانات العلماء ونداءات العقلاء مناشدات الحكماء وتحركات النخبة ؟!!
أين المؤتمرات الفاعلة والتجمعات الهادفة والمسيرات المعبرة والوقفات الاحتجاجية ؟!!
الحرب بغض النظر عن المصيب والمخطئ وعن الحق والباطل هي حرب خاسرة والقاتل والمقتول فيها هم من أبناء اليمن ناهيك عن الخراب والدمار والنتائج المريعة وعن من سينزحون ويتضررون ويقتلون أو يجرحون ولا ناقة لهم فيها ولا جمل .
قبل عقدين من الزمن انزلقت الصومال الى حرب أهلية وما تزال النار مشتعلة والحرب دائرة والدولة غائبة ومسلسل القتل واراقة الدماء متواصل ولم يتوقف وخاب الرهان على الخارج وترك العالم الصومال تغرق في هذه الدوامة المخيفة رغم موقعها الاستراتيجي المتميز ولذا فالحرب كارثة الكوارث والله وحده يعلم متى سنخرج منها لو انزلقنا اليها لا قدر الله .
نحن ضد القتل من اي جهة وضد قتل اي يمني وقلنا هذا مرارا وتكرارا ضد قتل المصلين وضد قتل الجنود وضد القتل خارج القانون والقضاء وهذا الموقف يجب أن يكون موقف الجميع فالاختلاف الفكري أمر والقتل أمر آخر تماما وأبناء اليمن تعايشوا منذ قرون رغم اختلاف مذاهبهم ولكن طلاب الكراسي والسلطة وحكام السوء هم من كانوا يدفعون بهم الى الحروب ليقتل بعضهم بعضا ويفوزون هم بالسلطة وارجعوا الة كتب التأريخ وستجدون الشواهد والأدلة .
بالأمس أصدرت هيئة علماء اليمن بيانا دعت فيه الجميع الى التوافق وسرعة انقاذ اليمن وحذرت من الحرب والعنف واراقة الدماء وبدا بيانها كأنه صرخة في واد غير ذي زرع وتجاهلته كثير من وسائل الاعلام للأسف ولكن رغم كل الظروف التي يعيشها علماء اليمن فالواجب أكثر وأكبر ولا مجال للخوف والتردد والحسابات فالبلد في وضع خطير وعلى الجميع أن يتداعوا الى موقف وطني يحفظ البلد وينقذها ويقول للمخطئ وللساعين للحرب : كفانا قتلا وحروبا ومشاكل وكوارث واعباء كفى متاجرة بالدماء ضد من تعلنون التعبئة العامة ؟!
سيقولون : ضد الارهاب سنقول :كفى استغلالا لملف الارهاب واسطوانة التطرف لنبني دولة للجميع دولة عادلة تتولى قضية الارهاب برؤية وطنية بلا مزايدة ومكايدة ومتاجرة واستغلال للدماء وبرؤية تغلب المصلحة الوطنية وحقن دماء أبناء اليمن ويشترك فيها العلماء وأهل الفكر والسياسة والحكمة والعقل .
فيا سبحان الله كم هو غريب أن تقوم عصابة مسلحة تمارس أبشع أنواع الجرائم والارهاب لتحقيق أهدافها في السيطرة على تعز وعلى الجنوب بركوب موجة مكافحة القاعدة ومحاربة الارهاب وهي بعملها هذا تذكي نار الارهاب وتعطيه الشرعية وتكسبه الانصار والتعاطف على اعتبار ان الكل جماعات مسلحة وهل هو حلال على هؤلاء وحرام على هؤلاء ؟!!
لماذا ينتهكون مدنية تعز وهي المدينة المسالمة الرافضة لوجود أي مليشيات والتي يخرج الملايين من أبناءها رفضا لوجود هذه المليشيات ؟!!
وأين ذهبت الاتفاقات التي وقعها الجميع بما فيهم جماعة الحوثي بتجنيب مدينة تعز الصراعات والاقتتال ووجود المليشيات ؟!!
لماذا لا يدعون الجنوب لأبناء الجنوب فهم أدرى بشعابها وهم الأقدر على معالجة قضاياها ؟!!
من وجهة نظري فان وصول مليشيات الحوثي للجنوب أكبر هدية للقاعدة وأكبر جائزة للجان الشعبية التي ستهجم عليها بكل الأسلحة وهم في بلدهم ولديهم خبرة كافية بحرب العصابات وكان من الممكن أن يفوت الحوثي هذه الحرب بكل نتائجها الكارثية ولكنه حب السيطرة والتوسع وبسط النفوذ وتحقيق أهداف قوى اقليمية ودولية لا تريد خيرا لليمن ولا تريد استقرارا لأبناء اليمن .
من وجهة نظري فإن غزو مليشيات الحوثي للجنوب هو فخ كبير نصب لها ويبدو أنها ستقع في هذا الفخ وستصبح في مرمى نيران أبناء الجنوب من كل جهة وبكل الوسائل فأبناء الجنوب لن يقبلوا بأن يحكمهم حوثي قادم من صعدة أو حتى متحوث من الجنوب ولاءه للحوثي ولإيران وسيشنون ضد هذه المليشيات ـ وان لبست زي قوات الأمن الخاصة فهذه مغالطة لن تنطلي على أحد ـ حربا مفتوحة ونضالا مسلحا سينتهي بخروجها خاسرة والأيام بيننا .
ان الظروف التي تعيشها اليمن تستدعي موقف وطني مسئول من الجميع فنحن في سفينة واحدة ان غرقت غرقنا جميعا والنار اذا اشتعلت ستحرقنا جميعا ولن تنتقي خصومنا وتمر من جوارنا بسلام .
اللهم أحفظ اليمن و أحقن دماء أبناء اليمن يارب .