حسن نصرالله وكيل إيران في لبنان يدين «عاصفة الحزم»، ضد وكيلها في اليمن عبدالملك الحوثي، ويعد الأمة بالنصر في اليمن في خطابه الأخير، ويتوعد الغزاة بالهزيمة، متجاهلاً أن تطبيق معاييره في تعريف «الغزو» يجعل تدخل مليشياته في سوريا غزواً خارجياً، مصيره الهزيمة كذلك.
الواقع أنه لا جديد في الأمر، نصر الله طائفي حتى النخاع، ويتضامن مع الحوثيين – من منطلق طائفي – بعد أن فارقوا زيديتهم إلى نوع من التشيع الإيراني، الذي يقول نصر الله ،عن نفسه، إنه وفقاً لهذا التشيع، مؤمن «بأن سماحة الإمام السيد علي الحسيني الخامنئي إمام المسلمين وولي أمر المسلمين».
من هنا سوغ حسن لإيران تدخلها في البلاد العربية، من منطلق أن «علي الحسيني الخامنئي»، هو ولي أمر المسلمين ، وهو المسؤول – إذن- عن جمــــيع بلاد المسلمـــين. غير أن نصر الله لا يسوغ تدخل العرب في موطنهم الأول (اليمن) لإنقاذه من سيطرة مليشيات إيران، على اعتبار أن العرب ليسوا «أئمة للمسلمين»، مثل «علي الحسيني الخامنئي».
الشيء اللافت أن نصر الله الحريص على منتجة وإخراج خطاباته المتلفزة، أدرك مؤخراً أن خطاباته لم تعد تلقى قبولاً لدى جمهوره الذي ضلله سنوات طويلة ، ففضل أن ينزع عنه «مسوحه الطيبة»، ليكشر عن أنياب طائفية بشعة، عندما تحدث عن محاولات سعودية لتحويل قبائل اليمن إلى التسنن، وهو يعلم أن الزيدية في الأصل حنفية الفقه، وهي اقرب إلى السنة منها إلى الإمامية التي كفرت الإمام زيد، وحرمته من مقام الإمامة.
كما يعلم نصر الله أن الشاه إسماعيل الصفوي حول الإيرانيين بالبطش والإرهاب – قبل قرون- إلى التشيع الصفوي الذي كرس من عزلة إيران بين المسلمين منذ ذلك الحين، وجعلها تنفذ كل حروبها ضدهم، إذ لا يعلم أن حرباً واحدة خاضتها إيران ضـــد غير المسلمين، حتى منذ دخولها الإسلام وإلى حروبها المعاصرة في سوريا والعراق واليمن.
وعودة إلى نصر الله الذي توعد السعودية بالهزيمة على يد الحوثيين، نقول إن هذا الشيخ المؤدلج يعيش مأساة انهيار رمزيته، ويشاهد المسلمين الذين يتحدث باسمهم يحرقون صوره ويدوسون عليها في مشاهد رامزة، توضح انهيار أحلام الإمامة المهدية الإيرانية، التي ابتكرها الإيرانيون للسيطرة على العرب تحت راية دينية ملتبسة.
أحس نصر الله وغيره من وكلاء طهران في المنطقة بأنهم في ورطة حقيقية، وأن مشروعهم الذي أسست له ثورة الخميني في تراجع على المستوى الشعبي والعسكري في المنطقة، أحس بأن العرب أفاقوا من وهم «المقاومة والممانعة» على الطريقة الإيرانية، وأنهم أدركوا أن تلك الشعارات لم تكن إلا ستاراً بشعاً للتغطية على طموحات إيران في السيطرة على ما تعده إرثاً فارسياً في المشرق العربي، ولذا فقد نصر الله كياسته المعهودة في تزويق الكلام وتطريزه.
مأساة نصر الله هي مأساة قادة إيران، التي تتمثل في أنهم أقلية، وهذا بالنسبة لهم أمر يجب تغييره. ويكون تغييره بقلب المعادلة، وتغليب الأقلية، عن طريق إنتاج «أقلية كيفية»، تستطيع التحكم في «الأغلبية الكمية»، تمهيداً لتحويل الأغلبية إلى أقلية، وجعل الأقلية أغلبية كما وكيفاً، وهذا هو الأساس الذي يقوم عليه المشروع الإيراني في المنطقة، وهو مشروع يتمدد بشكل نسبي لفترة من الزمن، ثم ينكفئ بشكل مريع وسريع، كما يقول لنا التاريخ.
«عاصفة الحزم» ليست حرباً على اليمن، ولا على الجيش اليمني، ولكنها حرب عربية على الوجود الإيراني في اليمن، ولذا خرجت المظاهرات تأييداً لها، رغم سطوة الحوثيين وقمعهم للمتظاهرين.
وما يزيد من حنق الإيرانيين وغيظ وكلائهم في المنطقة أن أيديهم بترت بالفعل عن التدخل في اليمن، حيث قطعت رحلات «سفن المساعدات للشعب اليماني المسلم»، التي تأتي محملة بالأسلحة، والتي كان آخرها سفينة رست في ميناء الصليف اليمني، على البحر الأحمر محملة بمئة وستين طناً من الأسلحة، مرسلة كهدية من الحرس الثوري الإيراني الشقيق للشعب لتدك مدن «الشعب اليمني المسلم الشقيق».
كما أن الأجواء اليمنية محظورة اليوم على الطائرات الإيرانية، التي كانت قد ابتهجت بتدشين خط ملاحي إلى صنعاء بعشرات الرحلات الأسبوعية، على الرغم من انعدام العلاقات الاقتصادية والثقافية والسياحية بين البلدين، ليبقى احتمال وحيد لهدف تلك الرحلات، وهو نقل الأسلحة والمليشيات الطائفية التي كانت طهران قد وضعت الخطط لنقلها إلى اليمن قبل «عاصفة الحزم».
أما البر فإن الإيرانيين لا يملكون حدوداً برية مع اليمن، وهو ما جعل إيران تدرك أن خياراتها العسكرية تكاد تكون منعدمة في هذه الحرب، الأمر الذي جعلها تلوذ بالعمانيين، ولحيدر العبادي الذي أباح تكريت لمليشيات الحشد الشيعي الطائفية، قبل أن يغطي على جرائمها بكذبة إخضاعها لقيادته، لتقوم بالمهمة ذاتها في الأنبار.
يحسب للإيرانيين أنهم يعملون بذكاء، وأن نفسهم طويل، وأنهم يلجأون لكل الوسائل الممكنة لتحقيق الهدف، غير أنهم يمسهم الرعب الحقيقي من انكشاف وجوههم، ومن توحد صف عدوهم.
وفي تصوري أن الأمرين قد حدثا، حيث أماط نصر الله عن وجهه القناع، وتوحدت الدول العربية المهمة في مشروع «عاصفة الحزم».
هل ستكون هزيمة إيران في اليمن الخطوة الأولى في تراجع مشروع طهران الكبير في السيطرة على المقدرات العربية، وتسخيرها لخدمة طموحات واهمة في مخيلة خامنئي وقادة الحرس الثوري، التي سعت للتوسع عن طريق أدوات عربية، منها حسن نصرالله وعبدالملك الحوثي.
بداية الهزيمة كانت بنهاية «الخديعة الكبرى» التي مكنت إيران من التغطية على عداوتها الحقيقية للعرب، بعداوة شعاراتية لأمريكا وإسرائيل.