لن أتحدث هنا عن المخاطر المباشرة والآنية للحروب فهي من المعارف البديهية ويستطيع أي إنسان عادي إدراكها وتحديد معالمها.
حديثي سيكون عن المخاطر الأبعد أثراً في حياة الناس والشعوب راهناً ومستقبلاً، وأقربها إلى واقعنا تتجسد في الأثر النفسي الذي تركه الانقسام ولا أقول الانفصام تجاه الاستجابة الأولى لعدوان التحالف على بلادنا وما أظهرته بعض القوى الخاضعة لردود الأفعال التي كانت سائدة في الساحة قبل العدوان وما تركته من تقبل أولاً ومن اللامبالاة ثانياً نكاية بهذا الطرف أو ذاك.
وكأن اليمن بتاريخها وكرامتها وسيادتها ملك هذا الطرف أو ذاك من الأطراف التي قد نختلف معها ونرفض برامجها وطموحاتها، في حين أن الواجب الوطني يدعونا أن لا نتخلى عن واجبنا وشعورنا الوطني الذي يجعلنا في لحظة الخطر صفاً واحداً متكاتفاً فالذي يتعرض للعدوان هو الوطن والذي يتحمل الخسران والدمار هي منشئاته ومؤسساته وما تحقق له في الخمسين عاماً من تاريخه الحديث من منجزات أياً كان حظها من القصور أو الكمال،
ندين جميعاً التصرفات الخاطئة وما رافقها من تعبئة نفسية وأيديولوجية لا يقرها العقل الوطني، لكن الحرب التي عمدت إلى كسر شوكة الوطن كانت كفيلة بأن تردم الهوة بين المختلفين وأن تخلق حالة من التعالي على المواقف الجانبية وأن يكون الضمير الوطني في حالة من اليقظة.
والنأي عن التشظي وإظهار ما يخل بمعنى الولاء الوطني ويعرّض الوحدة الوطنية للانقسام تجاه حدث جسيم وخطير كالحرب وما سوف تتركه من مآسٍ ودمار ودماء وتخلّفه من تداعيات وانشقاقات، وفي مقدور القوى الوطنية الصادقة والمتسامية أن لا تسمح لها بالظهور، وأن تضرب مثلاً أعلى في تجاوز خلافاتها مهما بلغ عمقها، انطلاقاً من أن هذه المكونات السياسية المختلفة ستجد نفسها في وقت قريب وجهاً لوجه في حوار لا بد منه للوصول إلى حلول جذرية تنهي دابر الخلافات وتفتح الطريق ليمن واحد جديد خال من حكم الغلبة ومن كل أساليب الاستئثار والإقصاء .
لا يريد عاقل ولا حتى مجنون أن تكون نتائج الحرب تزكيه مباشره أو غير مباشرة لعودة الأمور إلى ما كانت عليه قبلها، وقبل أن تتجمع نذرها، وأهم ما يمكن استخلاصه من هذه الحرب الشقيقة و(الشقيّة) أن الفُرْقة والخلاف الحاد بين القوى السياسية الفاعلة ما هي إلاَّ مفاتيح شر دائم ووقود لحروب قادمة داخلية وخارجية، وللقضاء على دابر هذا الكابوس لا مناص من التفاهم والتعاون والاستفادة من تجارب الآخرين في دنيا الله الواسعة.
ومن الثابت والمؤكد أن الإخلاص لله وللوطن والاتجاه نحو العمل الدؤوب لتجاوز الأوضاع السيئة من خلال الفعل سيقضي على الخلافات ويمنع الهواجس والشكوك من أن تأخذ طريقها مجدداً إلى بعض النفوس أو إليها جميعاً، وليس بالمستبعد أن يكون ميدان العمل المشترك مجالاً لتوحيد وجهات النظر.
ومن المؤكد أن الحرب ستنتهي مهما طالت أيامها وتعددت ويلاتها والحديث عما بعدها هو الذي ينبغي أن يشغلنا وأن لا تسرقنا دوامة الحرب وما تفرضه المواجهة من يقظة وحسن تدبير عن تمثل المستقبل وتصوره والتفكير في صياغة معالمه على نحو يختلف عن النماذج السابقة البعيد منها والقريب.
وأكبر تحد للحرب ولمن فرضوها أن تبدو القوى السياسية الوطنية في حالة من التماسك والوفاق وبذل أقصى الاهتمام على حفظ الأمن ورعاية المنكوبين والشرائح الفقيرة وهي أكثر من نصف الشعب وأغلبها في المدن وعشوائياتها التي كانت مصدر خجل وشعور بالمهانة لكل إنسان شريف في هذه البلاد التي يرتع فيها الفقر ويتنامى فيها البؤس في أبشع أشكاله.