لا طريق ثالث

2015/04/13 الساعة 12:34 صباحاً

 


ينسفون مباني عدن بالصواريخ والدبابات على رؤوس ساكنيها، ويطلبون من الشعب موقفا مدافعا عن هذا السلاح..
أن يقتلوا الشعب بهذه الأسلحة وبهذه الهمجية والوحشية، فهذا شأن كل المسلحين من المجرمين القتلة، لكن أن يزيدوا فوق هذا فيطلبوا من الشعب وهو تحت الأنقاض موقفا مدافعا عن هذا السلاح الذي يقتلونه به فهذا منتهى الحمق والغباء وغاية الاستخفاف بالعقول..
كونوا مجرمين وقتلة، وكونوا أيضا أغبياء، هذا شأنكم، أما الشعب الذي تقتلونه فيكفي أنه مقتول، فلا تطلبوا منه أن يكون مقتولا وغبيا أيضا..
فضائع بحق أبناء الشعب فوق حدود الخيال، وجرائم فوق حدود التصور، ثم تنتقدونه لتأييده للضربات السعودية التي تمنحه أمل النجاة من نيرانكم وقذائفكم الملتهبة حقدا كقلوبكم!؟ أي منطق هذا، وأي حماقة هذه، وأي بلادة هذه!؟
إن كل رصاصة وقذيفة تطلقونها على أبناء الشعب تؤكد أنهم لو لم يؤيدوا الضربات السعودية اليوم لاستجدوها في الغد استجداء..!!
ليس هناك مساحة للون الرمادي في الموقف من العمليات العسكرية السعودية العربية، ولا مجال أمام أي طرف سياسي ومواطن يمني إلا أن يؤيد أو يرفض.. بتعبير آخر: إما أن يرى أي منا هذا الأمر مشروعا ويؤيده وإن باعتباره علاجا مريرا، وإما أن يراه عدوانا خارجيا ويهب –بالتالي- لصد العدوان. وأحقر صور الوهن والخيانة أن يرى الواحد منا هذه العمليات العسكرية عدوانا خارجيا ثم لا يهب للدفاع عن الوطن!!
خياران لا ثالث لهما إلا التعبير عن موقف وسطي بأساليب ملتوية وعبارات عائمة، وليس هذا إلا مرواغة في قضية وطنية مصيرية، وتقديما لحسابات الذات الخائبة على مصلحة الوطن.
يعتقد البعض أن هذا الخيار حنكة سياسية تجعل صاحبها "داخل بالفائدة خارج من الخسارة"، وهو مجرد احتيال على النفس، ومبرر زائف لتقدير الذات بإشعارها بالعمل والإنجاز، أما النتيجة فخلاصتها: "عندما لا تعرف إلى أين تذهب فكل الطريق توصلك"!!
كثرت الخيبات في حياتنا، تكررت الانكسارات، تنوعت صور الخيانة، أنهكنا الغدر الذي ظل يأتينا متنكرا كل مرة بشكل كفيروس الزكام، فلم نعد نثق بأحد حتى بأنفسنا، ولم نعد نثق بشيء حتى بعقولنا.. اعتدنا السير المائل المتسلل حتى نسينا السير إلى الأمام.. تعلمنا الدبلوماسية بمعنى المراوغة حتى لم نعد نجرؤ على قول كلمة واضحة مفهومة لا تحتمل الأوجه والتفسيرات والتأويلات.. نفضل أن نعيش مقعدين بلا حراك خشية أن نتحمل كلفة محتملة لقراراتنا، وغدونا نقدم الاحتمال المستقبلي الضعيف على النتائج الإيجابية الحالية المحققة.. نتعامل مع قضايانا المصيرية على طريقة طالب مهزوز النفس يهرب من المدرسة يوم الاختبار خوفا من أن يكون الاختبار صعبا..!!
رغم ذلك، من المهم أن لا نبالغ في تصور نتائج هذه العمليات العسكرية، فلن تحيل اليمن مروجا أنهارا، ولن تحقق الاستقرار بالمستوى الذي قد يتخيله البعض، بل ستظل الصعوبات والتحديات بعدها ماثلة، وسيكون لها تداعيات كثيرة، ولكننا ننتظر منها أن تخلصنا مما هو أبشع وأفضع وأرهب، وشيء من هذا الأرهب والأفضع والأبشع واقع نعانيه اليوم، وأحداث عدن على مرأى ومسمع..!!