حافي القدمين يمضي الى الخطوط الأولى لأحدى جبهات المقاومة الجنوبية في أحدى أحياء خورمكسر لابساً بنطلونة الأسود الجافي ذو الجيوب المتعددة المتراصفة من اسفل ركبتيه الى أعلى وركه وقميصة الرياضي الأزرق القاتم والذي يضع من فوقه صدرية سوداء منتفخة الجيوب ومفتوحة الازرار هذا اللباس الذي لا يكاد يبدله منذ بدأت معركة التحرير – كما يسميها – قد تشاهد هذا الشباب وكل شباب المقاومة لو اسعفك الحظ وهم عائدين أو ذاهبين فراداً حاملين بندقياتهم في أوقات نادرة الى منازلهم في الحي الشعبي وقد بدأت على وجناتهم وعيونهم علامات الإرهاق والسهر، ولكن ترى من وجوههم تشع انوار الابتسامات وفرحة الصمود.
هذا (الشاب الحافي) الذي لا يتعدى عمره الـ23 عاماً والذي تعرفه كل حوافي وأحياء المدينة لا يرتضي ان يعود الى البيت ويترك زملاءه المرابطين في أماكنهم يحرسون المدينة برغم ما يعتري والديه من قلق لا يوصف، يرفض الراحة الا بعد إلحاح قياداته في المقاومة وإصرارهم ان يأخذ قصداً من الراحة.
نفسه هو من كان قبل عدة أعوام يحمل علم الجنوب وكان يلعب مع أترابه الاطفال وكانت لعبته المفضلة ان يرمي جنود الاحتلال بالحجارة عند مرورهم في الحي الذي يسكن فيه وكان على دراجته الهواية التي تحمل لواء الجنوب (علم الجنوب) يلف بها كل حوافي واحياء خورمكسر ومن ذا الذي يستطيع ان ينزعها منه أو حتى يتجرئ على مس رايته الخفاقة، وكان حينها لا يتعدى الـ 14 عاماً ممتلئ بالأمل ولا يفارقه ذلك وكان عندما يشاهدني يسارع الى ملاقاتي ليسمع آخر الأخبار.
ضحكت اليوم وهو يسألني ايش آخر الأخبار ؟!، فقال لي: " لماذا تضحك ياعم أحمد ؟! "، فقلت له : " أنت اليوم وزملائك من يصنع الأحداث يا أبني " وخرجت منه ابتسامة خجوله وتوارى وهو يرفع كلتى يديه مودعاً .
تذكرته الآن وانا لست ببعيداً عن سماع عزفه الموسيقي برصاصات الثورة رصاصات التحرير التي تبدد الظلمات كما تبدد سكون هذه الليلة الثورية وانا أدعي له من كل قلبي ربنا أحفظ هذا الشاب بخير واعيده بسلامة الى أهله وكل شباب المقاومة الجنوبية وبلغهم نشوة وحلاوة النصر التواقين اليها، والمندفعين نحوها بإصرار وعزيمة لا تلين