حينما اتجهت دول مجلس التعاون الخليجي وخصوصاً تلك التي تشكل النواة الصلبة في التحالف العشري، الذي يشرف على عملية "عاصفة الحزم" في اليمن، إلى مجلس الأمن، لم تفعل ذلك بغرض خلق مسار موازٍ للصراع حول الأزمة اليمنية، بل من أجل محاصرة الحلف الانقلابي سياسياً كما تحاصره هي عسكرياً.
من هذا المدخل حاولت روسيا أن تُمارس ابتزازها بشأن قضية اليمن، سيراً على نهجها المعهود إزاء قضايا المنطقة، حيث عملت على استدامة الحروب في المنطقة على حساب الآلاف من الضحايا الذين يسقطون في هذه الحروب، وبالأخص في سورية.
لا أظن أن روسيا ستذهب بعيداً وتقامر بتعطيل القرار المرتقب من مجلس الأمن حول اليمن. فاليمن لا يتحمل هذا النوع من الابتزاز، لأن تركيبته الهشة، إن احترقت فستؤثر بعمق على المنطقة بأكملها، فهذا البلد لا يعاني فقط من أزمات سياسية، ولكن مشاكله الاقتصادية هي الأهم والأعمق والأخطر، ما يعني أن حاجته للاستقرار والغذاء أكثر من حاجته للشعارات والاستقطابات الطائفية وخصوصاً تلك التي تُصدِّرُها إيران.
وبغض النظر عما يدور في مجلس الأمن، وعن المواقف التي تتخذها بعض الدول من "عاصفة الحزم" فإنه لا يوجد أكفأ من سيناريو العاصفة، لحسم الموقف في اليمن، وإعادة التوازن للمشهد اليمني، وتأسيس عملية سياسية أكثر كفاءة ونجاحاً.
الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح، ظل يُحْكِمُ السيطرة على معظم الوحدات العسكرية النوعية منها والتقليدية، والتفسير الوحيد لهذه السيطرة القوية والتي أبقته قائداً فعلياً لها، حتى بعد أن خلعه الشعبُ في ثورة مشهودة، هو أن هذه الوحدات العسكرية لم تُبن على أُسسٍ وطنيةٍ أو مهنية. فالغالبية العظمى من أفراد هذا الجيش ينتمون إلى مسقط رأس صالح والمناطق المجاورة، ولهذا لم يكن عسيراً إبقاء الآلاف من هذا الجيش في حظيرة الطاعة لنظام تم اقتلاعه من القصر ولكنه بقي في محيط القصر وفي ثكناته.
ما كان لأي معركة في اليمن أن تُحدث تغييراتٍ جوهريةً في قناعات هذا الجيش وولاءاته. وحدها "عاصفة الحزم"، هي التي أحدثت فارقاً حقيقياً في المسألة، واستطاعت منذ انطلاقتها قبل (17) يوماً أن تدمر جزءًا مهماً من ترسانة هذا الجيش وأن تُحيِّد سلاحه الجوي والصاروخي وأن تُقطع أوصاله وتضربَ خطوط إمداداته وتدمر غرف عملياته الحربية.
هذا الجيش بترسانته الهائلة هو الذي ضخَّ كل ذلك الغرور الذي نضح به خطاب الرئيس المخلوع، قبل نحو شهر تقريباً، عندما التقى بممثلين عن شباب محافظة تعز، وانتهز هذا اللقاء، لتدشين حربه ضد الرئيس الشرعي للبلاد. حينها قام المخلوع بتحديد منفذ واحد للرئيس هادي لكي يسلكه إلى خارج البلاد، هو ذاك الذي يؤدي إلى جيبوتي.
وبالفعل كانت تلك هي الخطة، فقد بث ناشطون فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي يظهر جنوداً من حامية عدن العسكرية ومعظم أفرادها موالون للرئيس المخلوع، وهم يصورون رتلاً من السيارات التي أقلت من يُعتَقدُ أنه الرئيس هادي إلى مرفأ نفطي صغير غرب عدن، ومنه تمكن من الذهاب إلى سلطنة عمان.
لم يكن هناك من داعٍ إذاً لأن يفجر الرئيسُ المخلوع حرباً في عدن، ولكن انطلاق "عاصفة الحزم" جعلته يفعل ذلك ليظهر أنه هزم الرئيس وهزم التحالف بالسيطرة على عدن.
حدث هذا في إب وتعز والبيضاء وأخيراً في شبوة، حيث يعيد الجيش المناطقي والمذهبي الموالي للمخلوع انتشاره وتموضعه، ثم يأتي العشرات من الحوثيين على متن سيارات رباعية الدفع ويعلنون إسقاط هذه المحافظة أو تلك.
لم أر إيران أشدَ كمداً مما هي عليه اليوم، فهي تشعر أنها مكبلة وليس لديها خيارات متاحة للتعامل مع ما يدور في اليمن، فبعد أن بدأت بتسيير رحلات جوية إلى صنعاء تملَّكها غرورٌ امبراطوري ٌسافر، لكن "عاصفة الحزم" أطاحت بأحلام إيران، ولهذا أتت ردود أفعالها متشنجة وغير منطقية، حتى ترسانتها الخطابية، ممثلة بأمين عام حزب الله أفرغت كل ما بجعبتها من كلمات، ولكنها لم تحدث تأثيراً يذكر سوى أنها أتت على ما تبقى لديه من مصداقية.
الغالبية العظمى من اليمنيين يؤيدون عاصفة الحزم بلا جدال، ليس هذا استقطاباً ولا تبعية للدول التي تنفذ العاصفة، بل لقناعتهم أنه بدون العاصفة، لن يتمكنوا من العيش بسلام، في ظل هذا التركز الحاد للقوة والسلاح والنفوذ في منطقة جغرافية بعينها، هي شمال الشمال، وطائفة بعينها هي الطائفة الزيدية.
لا يجب أن يسيطر القلق على التحالف العربي بشأن التدخل البري، فهناك نواة يمكن الاعتداد بها من الجيش الموالي للرئيس هادي يمكن أن تنهض بمهمة التدخل البري، في حال جرى تزويدها بأسلحة جيدة، وتم تأمين التغطية الجوية، وهناك قطاع واسع من المجتمع سيوفر ظهيراً قوياً لهذا الجيش.
كل شيء يدعو للتفاؤل فيما يخص "عاصفة الحزم"، والرهان على العاصفة في تغيير مجرى الأحداث وحسمها لصالح مستقبل أفضل لليمن