كان الدور الأصلي للرئيس هادي ضمن التسوية السياسية يتمثل في أن يكون حكما بين الأطراف اليمنية التي تصارعت في 2011، وأن يتولى إدارة حوار حقيقي فيما بينها. غير أنه أنحرف عن ذلك الدور ورغب في أن يتحول إلى حاكم على نفس النمط الذي كان يحكم به علي عبدالله صالح اليمن. وكان من سوء حظه وحظ اليمن أنه لم يكن يمتلك المؤهلات الذاتية والموضوعية ليحكم على ذلك النمط، فهادي لا يمتلك المؤهلات الشخصية لصالح – الحميدة منها والقبيحة – كما أنه ليس لديه حزب سياسي، أو ثقل قبلي، أو قوة عسكرية، أو تحالفات معتبرة يستند عليها. إلى جانب أن الظروف التي حكم بها صالح اليمن لم تكن هي نفس الظروف التي حكم بها هادي.
وكانت النتيجة أن حكم هادي أصبح نسخة مشوهة من حكم علي صالح، حيث برزت كل عاهات نظام صالح، وغابت كل إيجابياته - إن افترضنا أن له إيجابيات – فظهر هادي متقمصا نظام صالح من قبيل: شخصنة السلطة، والاعتماد على الأقارب وأصحاب البلاد، والفساد، واستثمار المشاكل السياسية لتعزيز المركز السياسي، ومحاولته اللعب بورقة التناقضات من خلال خلق الصراعات بين القوى السياسية، وغيرها من الصفات التي أودت في النهاية بحكمه، وأدخلت اليمن في الكارثة التي تعيشها حاليا.
والآن وبعد أن تم الدفع بخالد بحاح إلى واجهة العملية السياسية ليحل عمليا محل الرئيس هادي، والذي ينبغي أن يقتصر دوره في المرحلة الحالية على حمل ختم الشرعية، حتى يتم اختيار خلفا له، فإن على خالد بحاح أن لا يكرر أخطاء هادي. وفي هذا الشأن عليه أن يستعيد الدور الأصلي الذي كان مرسوما لهادي، وهو دور الحكم والراعي للحوار السياسي. واستعادة هذا الدور يتطلب منه أن يكون على مسافة واحدة من الفرقاء السياسيين، ونقطة الالتقاء فيما بينهم.
وهذا الأمر لا يعني أن يكون دوره باهتا وبدون لون، فاللون المطلوب من بحاح إظهاره هو دور رجل الدولة الذي ينظر لجميع اليمنيين بعين واحدة، ضمن رؤية محددة تستند على المبادئ العامة التي تقوم عليها الدول، ومنها: الحق الحصري لأجهزة الدولة في احتكار وسائل القوة والقهر، ومنع أي جهة من أن تحل محل الدولة أو تزاحمها في سلطاتها، وعدم التساهل مع أي قوة انفصالية أو جماعات إرهابية واستخدامها كوسيلة لكسب القوة والنفوذ، والامتناع عن تسخير مؤسسات الدولة للمصالح الخاصة أو الحزبية.
وتلك الرؤية لا تعني الدخول مع الجميع في صراع لتحقيقها، فهذا الأمر يبدو مستحيلا في الوقت الحالي، وما هو واقعي أن يسهم بشكل مباشر أو غير مباشر في تعزيز هذه الرؤية، من خلال التوجهات التي تُـشعر الجميع بأنه يمتلك هكذا رؤية، حتى يلتف حوله الغالبية العظمى من اليمنيين المؤمنة بمشروع الدولة اليمنية.
صحيح أن الظروف التي أتى بها بحاح هي أسوا من الظروف التي أتى بها هادي، إلا أن الكفاءة والعبقرية في القيادة، بإمكانها تطويع الظروف الصعبة وتحويلها إلى فرص. وهناك إمكانية لحدوث ذلك بالنظر إلى المؤهلات الذاتية والموضوعية التي يمكن لبحاح استثمارها ليصبح الشخصية النموذجية لهذه المرحلة. فالرجل لا ينتمي إلى أي طرف سياسي، أو منطقة لديها صراعات وثارات مع مناطق أخرى، كما كان الأمر مع هادي، إلى جانب أنه قريب من بعض القوى الرئيسية مثل حزب المؤتمر، والذي كان ينتمي له، وليس له خصومات إيديولوجية أو سياسية واضحة مع القوى الأخرى كالإصلاح أو الحوثيين أو الاشتراكيين أو غيرهم. وكل ذلك يمنحه أفضلية على هادي وعلى الرئيس صالح أيضا.
لقد كان من الأخطاء الجسيمة التي أرتكبها هادي أنه ظل ينظر لنفسه بأنه جنوبي من الزمرة يحكم صنعاء، وهو الأمر الذي جعله غير مكترث لما كان يحدث في معظم مناطق اليمن. كما أن من أخطائه أنه أراد أن يعزز سلطته عبر التحالف مع بعض القوى وأصحاب المشاريع الصغيرة، ففي البداية حاول تقوية مركزه من خلال التحالف مع الإصلاح، وفي مرحلة لاحقة تفاهم أو سهل للحوثيين التمدد وضرب الإصلاح لنفس الغرض. وكان من نتائج ذلك خسارته للجميع وخسارة السلطة في نهاية المطاف.
إلى جانب ذلك؛ استخدم هادي القضية الجنوبية كواحدة من الأوراق الخطيرة التي لعب بها من أجل تعزيز سلطته، حيث كان يحرك النزعة الانفصالية صعودا وهبوطا حسب الاحتياج، وهو الأمر الذي ساهم في زيادة الشرخ الوطني.
وعلى بحاح أن لا يكرر أخطاء هادي بأن ينظر إلى نفسه بكونه جنوبيا أو حضرميا، فهذه النظرة ستعزله وتؤطره في مساحة ضيقة حدودها المنطقة التي ينظر بها إلى نفسه. فمن يحكم اليمن، خاصة في الظروف الحالية، عليه أن يوصل رسالة لجميع اليمنيين مفادها أنه يمثل مصالحهم كلهم، وأن سقف اهتمامه اليمن وليس حضرموت أو الجنوب أو الشمال، أو دول عاصفة الحزم. وأهم وسيلة لإيصال هذه الرسالة هو فريق عمله الذي عليه أن يختاره بعناية ومن كل مناطق اليمن، دون محاصصات فجة، والنظر لكل مشاكل أبناء اليمن بعين واحدة، أكانوا في صعدة أو عدن أو سيئون أو تعز أو صنعاء.
كما أن عليه أن يبتعد عن أصحاب المشاريع الضيقة من انفصاليين همهم فصل حضرموت أو الجنوب، أو أي منطقة أخرى. كما أن عليه أن لا يبحث عن تعزيز مركزه السياسي بالتحالف مع هذا الفصيل أو ذاك، فالتحالفات السياسية في هذه المرحلة تحديدا ستضعف مركزه بدلا من أن تقويه.
لقد كانت نقاط قوة هادي هو أن يبقى ضعيفا، كما كان يردد السياسي اليمني الحصيف علي سيف حسن، فضعفه كان يجعل الجميع في حاجة له، وغير مرتابين منه، وحين حاول أن يتقوى أضعف نفسه وأستعدى معظم القوى عليه، وفقد الميزة التي كان يمتلكها. وعلى خالد بحاح أن يدرك أن مصدر قوته أنه لم يكن طرفا في الصراعات اليمنية - حتى الآن - وهو الأمر الذي يجعل الغالبية تقبل به حكما وربما حاكما في مرحلة لاحقة.
أن أمام خالد بحاح الكثير من المهام والأدوار التي ساقه القدر إليها، أهمها وأفضلها أن يكون المنقذ لليمن، وأسوها أن يصبح نسخة مشوهة من نظام هادي.