في تعز حرب، وللحرب جبهة / خط نار. على طرف تقف كل تعِز، بكل إنسانها. وعلى طرف: الحوثي وصالح.
صالح/ الحوثي ليسا الشرطة، ولا الجمهورية، ولا البرلمان، ولا الحكومة، ولا الرئاسة. هما أميرا حرب يمتلكان آلة ثقيلة وحشود من المقاتلين ويخوضان حرباً في تعز.
ولأنهما، الحوثي صالح، ليس كل ما سبق فتعز تواجه عصابة. تهدف العصابة إلى السيطرة على تعِز وإخضاعها لهيمنتها ووضعها تحت وصايتها.
هذه هي طبيعة المعركة الراهنة في تعز بهذا التبسيط الفيزيائي الأوّلي.
تملك تعِز الحق في أن تستخدم كل السلاح لصد الجوّالة، العصابات، وأمراء الحرب. وهي تفعل ذلك، تفعل بكل مهارة وشجاعة واقتدار وشكيمة. والمدينة التي تجيد كتابة أغاني الحقول تكتب أيضاً، وببراعة، أناشيد الحروب.
تذكروا هذه الأمور، لا بد وأن تتذكروها جيّداً..
هناك عصابات لا تمثل أي سلطة ولا أي قانون تهاجم بالآلة الثقيلة المدينة والسكان. تذكروا أنهم لا يمثّلون أي سلطة ولا قانون.
البارحة أعلنت عاصفة الحزم انتهاء عملياتها، وكان رد الحوثيين كالتالي:
احتلال اللواء 35 في تعز بعد قصفه ليلة كاملة من أماكن عديدة بالمدفعية الثقيلة والدبابات والراجمات الهاون. انتشر الحوثيون في أكثر من مكان وعادوا إلى الأماكن التي أخلوها. يقول شهود عيان إنهم كانوا في الساعات التي سبقت إيقاف عمليات العاصفة يبيعون سلاحهم ليحصلوا على طعام، أو يعودوا إلى قراهم في جبال الشمال.
ما إن توقفت العاصفة حتى تذكرت العصابات قوتها فجأة، قوتها وبأسها وهاجمت منتشية بكل السلاح، وسقط عشرات القتلى والجرحى. هاجمتنا بعد أن اختبأت في جحورها شهراً أمام القادمين من خلف الحدود. وأكدت لنا مجدداً وأبداً أنها آلة موت لا علاقة له بالحياة ولا العيش المشترك، حد تعبير بيان المقاومة الشعبية في تعز هذا اليوم.
وهرَب هذا النهار الكثير من السكان من المدينة إلى القُرى. ومن الذين نزوحوا من مدينة تعز إلى القُرى أهلي أيضاً، وأمّي. تركت أمّي علاج الإنسولين في تعز، وقد تصاب بغيبوبة سكّر في أي لحظة. في أي ساعة.
تحاول تعز استعادة نفسها وذاتها وسكينتها، استعادة الحياة. لكن صالح والحوثي يقاتلان في تعز بأناس مسطّحين بلا تاريخ، لا يفرقون بين الناقة والبعير، بليدي الطباع والملامح، مطوّعي الأبعاد خضعوا لعملية طويلة من الـ New Speak ، كما يقول أورويل، حتى اختفوا كأفراد عاقلين وتحوّلوا لمجرّد آلات تافهة تقتل لأن القتل مهمّة أكثر من كونه انتقاماً!
نحن بإزاء كارثة جديدة تقول: سيصير لدينا تحت كل حجر مرتزق، وفوق كل حجر جائع أو مشرّد.
أعلنت عاصفة الحزم انتهاء عملياتها فجاء رد الحوثيين نظرياً وعملياً. عملياً حرائق جديدة في مأرب وتعز والضالع وعدن.
ونظرياً:
قال محمد عبد السلام، الناطق باسم عبد الملك الحوثي شخصياً، إن العمليات في الجنوب ستستمر لأنها لا تستهدف سوى القاعدة. وإنهم يرحّبون بالحوار لكن اللجان الثورية ستبقى لأنها أوامر السيد عبد الملك، ومهمتها منع القاعدة من الدخول لمؤسسات الدولة في صنعاء! وأن خطيئة الذين أيدوا العدوان لن تغتفر!
ولتوضيح الخطيئة التي لن تغتفر قال صادق أبو شوارب، موفد الحوثيين إلى تعز:
لن يصلوا في الصفوف الأولى، ولن تقبل شهاداتهم، ولن يلبسوا الجنابي، ولن يتحدثوا بحضور القبائل، ولن يزوجوا من نساء المسلمين!
وهدّد "ماكنة الخراء" علي البخيتي المرتزقة والهاربين. وكان يقصد كل السياسيين الذين طاردهم الحوثي وأجلاهم من بلدهم وتعامل معهم كمهاجرين غير شرعيين!
وعلي البخيتي ذلك هو ماكنة خراء تعمل على الدوام لأجل تحويل كل ما هو براز لمادة استعمالية. وهو يعمل على نحو جيّد على مدار الساعة بالرغم من أن أحداً لا يعرف طريقة استعماله. وهو ليس الماكنة الوحيدة فالمعلومات تقول إن كمية تجارية من البخيتيات أنتجت في الزمانات ولا تزال تعمل وتترك انطباعاً جيّداً لدى المستخدم. ولكن علي البخيتي بقي الماكنة الوحيدة التي يمكن أن تكون ماكنة خراء للجميع، وبحسب الطلب. ولا يوجد في تلك الماكنة الشهيرة سوى عيب واحد فقط: بمقدور تلك الـآلة أن تحوّل براز المالك لسماد ومواد استعمالية إلا بُراز نفسها. وهذا تشبيه علمي محض، وقد سقته من الكُتُب التي لا يحبها.
تعِز تقاوم وتقدم دماً وألماً وخوفاً وجزعاً. وقبل شهرين من الآن كانت المدينة الأكثر أمناً في كل اليمن وها هو صالح والحوثي يحولانها إلى مذبح مقدّس، إلى هولوكست. والهولوكوست كلمة ذات منشأ يوناني تعني إحراق الجثّة بطريقة طقوسية. ثم صارت تعني كل الحرائق المقدّسة.
لم تمض سوى ساعات قليلة على انتهاء عاصفة الحزم حتى خرجت الفاشية من جحورها مرّة أخرى وذهبت تروّع الناس وتنشر الحرائق، وتهدد الناجين! وصل الأمر حد الحكم علينا بأن لا نتزوج من نساء المسلمين ولا نلبس الجنابي ولا نصلي في الصف الأول "راجع مبادرة موفد الحوثيين إلى تعز، صادق أبوشوارب".
نحن أمّة تحت النار، أمة تحت الحصار، أمة ضائعة وتائهة ومشرّدة وخائفة ونحن نطالب العالم كله بمساعدتنا في حربنا الأخلاقية. فقد كنّا نذهب إلى المدرسة وكانوا يذهبون إلى الخنادق، وكنا نشتري الأقلام وكانوا يعدّون الخراطيش. في جيوبنا عناوين الخصب والمطر وفي جيوبهم عناوين اللصوص والقتلة، بالاستناد إلى كلمات الماغوط.
ولأننا في معرض المعلم العظيم محمد الماغوط فسنردد معه وهو يواجه النظام: سأخون وطني. وكان يقصد الوطن الذي يتجسّد على شكل كائن قذر كالحوثي، أو مخلوق شائه كعلي صالح. هذا الوطن سنخونه، كما فعل الماغوط، وسندعو كل العالم لأن يقف معنا. قفوا معنا ضد هذه المسوخ البشرية. لا نخاطب السعودية والخليج ومصر، بل حتى أستراليا وكندا وغينيا الجديدة.
لن ينتصر الحوثيون في تعِز، لن ينتصروا. وسينكسرون، سينكسرون. فهم يتحرّكون في تعِز كتشكيل استعماري إحلالي قذر منفصل عن تاريخ المكان وروحه وفلسفته ورائحته.
سينكسرون لأن تعِز عظيمة وجسيمة وشاهقة ومغرورة ومتوحّشة. وهم بلا عقل، ولا تاريخ، وبلا غد. يقاتلون ولا يعلمون ماذا يريدون من وراء إطلاق النار، وتعِز تعرِف. تعرِف جيّداً ماذا تُريد. تريد الطهارة، وهي تملك طهارة التاريخ وطهارة السلاح وطهارة الزمان.
م.غ.